مع مرضٍ خطِرٍ عُضال
إذا شعرتَ أنّك في همّ وضَنَك وحزن يعتصرُ قلبك ، ويضغط على نفْسك ، ويؤلم وجدانك ، ويسلب منك كل لذةٍ وراحة ؛ فاعلمْ بأنّ علة ذلك تَكمن في أنك ابتعدت عن الله أشواطاً كبيرة هائلة متراكمة ، وأرض قلبك مقفرةٌ من ذِكره ، ورُوحك اعتراها الجفاف بقلة الخلوة به سبحانه والتلذذ بوجوده والشعور بجواره ، قد استمالتك الدنيا وتعلَّقتَ بحُبِّها ، والدنيا إذا أحبها الإنسان بشدةٍ أماتته ؛ لأن الدنيا التي هي أَنْزَلُ العوالم مادةٌ ميّتة لا حياة فيها والمستميت فيها يَرِثُ خصيصتها فتحقق في روحه الحيّة صراعاً مَهولاً ينتهي به إلى هذا الشعور.
وهذا الشعور إذا حَصَل من هذه العِلّة فإنه يحاصِر الإنسان ويُشَكِّل له خطراً عُضالاً لحد أنه قد يتسبب له بحالات مفْرِطة من الحرن والاكتئاب والألم النفسي والبكاء ما لا يقل شدةً وأثراً عما يحصل من طريق المرض العضوي المسبب هو الآخر لذلك ، بل قد ينتهي بالبعض إلى الصراخ فجأة أو القتل أو الانتحار ، هذا الشعور إذا حاصر الإنسان يثير شكواه ويُأَلِّب مَواجعه ..
يقول إمامنا عليٌ صلوات الله وسلامه عليه: (مَن اَصبحَ على الدنيا حزينا ، فقد أصبحَ على اللهِ ساخطا)؛ من اَصبحَ على الدنيا حزيناً ؛ أي من صار على الدنيا حزيناً فقد صار على الله ساخطا. ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَن أصبحَ يشكو مصيبةً نَزلتْ به ، فقد أصبح يشكو ربَّه).
غَيْرَ أنه قال تعالى: {ومَـنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّـهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّـقاً حَرَجاً كَأَنــَّـما يَصَّـعَّدُ في السَّماءِ كذلكَ يَجْعَـلُ اللهُ الرِّجْس}[الأنعام 125]؛ و”الحرَج” في اللغة أَضيَقُ الضِّيْق. وقال: {ومَن أَعرَضَ عن ذِكري فإنّ لهُ مَعيشةً ضَنكا}[طه 124]؛ والإعراض عن ذِكر الله له أشكال كثيرة ؛ منها رفْضُ الحق ، ومنها الابتعاد عن عبادته ومناجاته والخلوة به سبحانه .. ، وإنّه مِن الكثير أن يَكون هنالك من لا يَرفض الحق ولكنه بعيد عن مناجاة الله تعالى فيَحصل عنده هذا الداء الخطير.
إنَّ السعادة مع الله لا فَناءَ لها ، والراحة مع الله تذيب كل المِحَن والآلام ، وتُحَوّلها إلى لذائذ في جوار الحبيب البصير المقَدِّر لكل شيء ، القادر في كل شيء ، المطَّلِع على كل شيء. في أيِّ مَوضعٍ كنت ، اِلجأْ له تعالى عندما تجد نفْسك قد جفَّت وأصبحت لا تستطيع أن تتذوق أي سعادةٍ كانت وسيذهب عنك ذلك سريعاً وتشعر براحةٍ عظيمة تفتح أمامك باب الأمل وفُرصة الحياة والتَّدارك والجِد والعمل. ولا بأس أن تقرأ (مناجاة المفتقرين) للإمام زين العابدين سلام الله عليه ، فإنها دواء مجرَّب ونافع ، اقرأها بخشوع وتَغَنّى بلحنك وتأَمَّل مضامينها جيداً.
أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا