مسألة إثبات وحدة واجب الوجود● السائل: السلام عليكم.كيف نثبت أن واجب الوجود واحد و لا يمكن أن يكون اثنين؟ ● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: عليكم السّلام ورحمة الله تعالى وبركاته. نثبت أنّ (واجب الوجود “الله تعالى”) واحدٌ ولا يمكن أن يكون اثنين من خلال قاعدتَي (استحالة التّسلسل) و(استحالة الدّور)؛ أمّا كيف نثبت ذلك بهما فكما يلي: بشكل مبسَّط: يذكر المنطقي والفيلسوف في بيان (قاعدة التّسلسل) -طبعاً هذه قاعدة عقليّة يؤمن بها عقل كل إنسان- يقول: أنّ الموجودات يستحيل أن تكون عِلل ومعلولات- خوالق ومخلوقات- إلى ما لا نهاية، بل يجب أن تصل في نهاية المطاف إلى (نقطة الصّفر)، وتكون هذه النّقطة هي بداية انطلاقها. فمثلاً الطّائرة معلول، وعلّة وجودها هو الإنسان، فالإنسان خلق الطّائرة، والطّائرة مخلوقة ومصنوعة من الإنسان، فالإنسان علّة والطّائرة معلول. وكذا مثلاً القلم فهو معلول، صدر من فعل الإنسان، فالإنسان فاعل له، فهو علّة وجوده، وكذا دخان محرّك السّيّارة معلول، وعلّته هي محرّك السّيّارة، وهكذا؛ (فكل شيء له علّة، ولا يمكن عقلاً أن يوجَد شيء بلا علّة). لاحظ؛ هذه قاعدة عقليّة ثالثة (كل معلول لابد وأنّ له علّة، ويستحيل عقلاً أن يوجَد شيء بلا علّة) فالطّائرة في المثال الأوّل والقلم في المثال الثّاني ودخان السّيّارة في المثال الثّالث كلّها معلولات، فهل يمكن لهذه المعلولات أن توجَد بدون أن يوجدها موجِد؟ لا يمكن، فالعقل ما أن يرى شيئاً إلا ويَسأل: مَن الّذي أوجد ذلك الشّيء وما هي علّته الّتي أفاضت عليه وجوده؟ فيَبحث عن الموجِد لذلك، ولو أجاب شخص بأنّ هذا الشّيء –الطّيّارة، القلم، الدّخان- لا علّة له ولا موجِد أَوجَده، أو أنّه؛ لسَفَّه العقل من يقول بهذا الكلام، وحَكَم على صاحبه بأنّه غير مدرك ولا عقل له. إن اتّضحت هذه القاعدة الثّالثة نعود لكلامنا، وهو أنّ الموجودات لا يمكن أن تكون علل ومعلولات إلى ما لا نهاية، فالدّخان خلقه المحرِّك، والمحرِّك خلقه الإنسان، والإنسان خلقه الشيء الفلاني، والشّيء الفلاني خلقه كذا، إلى أن نصل لـ(نقطة الصّفر) الّتي لم يسبقها شيء ولم يخلقها شيء، فتكون هي منطلق كل العِلل والمعلولات وكل ما في الكون، وهذه النّقطة -نقطة الصّفر إن صحّ التّعبير- هي من نسمّيها (الله)، ويسمّيها اليهودي بالعبرانيّة (يهوه)، ويسمّيها الفارسي والأفغاني باللغة الفارسيّة (خُدا)، وهكذا. تعدَّدت الأسماء وحُسنُكَ واحِدُ ** كلٌّ إلى نقطةِ الصّفر يُشيرُ أمّا لماذا يستحيل أن تمتد المعلولات والعلل إلى ما لا نهاية؟ ج: لأنّ امتدادها إلى ما لا نهاية يعني أن لا يوجَد شيء في الوجود أبداً؛ والحال أنّنا نرى بأُمِّ أعيننا واقعيّة وجود أشياء كثيرة في الكون وعالم الوجود. أمّا كيف لن يوجَد شيء إن امتدّت وتسلسلت العلل والمعلولات إلى ما لا نهاية؟ ج: ذلك لأنّ كل معلول سيكون -وفق القاعدة العقليّة الثّالثة- متوقّفاً في وجوده على وجود علّة أوجدته كما بيّنا، وتلك العلّة أيضاً لابدّ ولها من علّة أوجدتها، وبالتّالي ستكون أيصاً متوقّفة في وجودها على وجود علّة أخرى، وهكذا توقّف وتوقّف، فنستمر ونستمر دون أن نصل إلى نهاية؛ فيَبطل أساس الوجود؛ لأنّه نفترض أنّنا لن نصل لـ(نقطة الصّفر النّهائيّة) الّتي تكون موجُودة فيوجَد ما بعدها وتكون علّة له، لتقوم العلّة الجديدة بإيجاد معلول جديد فتكون علّته، ويقوم المعلول الجديد بإيجاد معلول جديد آخر فيكون علّته، وهكذا حتّى تتكثّر الموجودات وتصير كما نرى في الكون. وبمثال عرفي بسيط كثيراً ما يضربه الفلاسفة لبيان (استحالة التّسلسل إلى ما لا نهاية) نقول: لنفرض أنّ لدينا عدد لا نهاية له من المتسابقين، فقال المتسابق (رقم1) إذا سمعت صافرة الحكم فسأنطلق بعد أن ينطلق المتسابق (رقم2)، والمتسابق (رقم2) قال وأنا لن أنطلق إلا بعد أن ينطلق المتسابق (رقم3)، والمتسابق (رقم)3 قال وأنا أيضاً لن أنطلق إلا بعد أن ينطلق المتسابق (رقم4)، وهكذا قال الرّابع بإيقاف انطلاقه على انطلاق الخامس، وهلم جرَّاً إلى ما لا نهاية، لأنّنا حسب الفرض قلنا المتسابقون لا حصر لهم فعددهم لا نهاية له. عندها ماذا سيحصل في ظل تعليق كل مسابق نفسه في الانطلاق على انطلاق المتسابق الّذي يليه؟ هل سيَحصل ويوجَد سباق؟ كلا، فالّذي سيحصل هو أنّ الحكم سيطلق صافرته، ولن ينطلق أحد من المتسابقين؛ وبالتالي يوجد سباق أساساً؛ ذلك لأنّنا ليس لدينا متسابق نهائي يمثّل (نقطة الانطلاق) في النّهاية لتنطلق ثمّ ينطلق المتسابق الّذي بعدها، ثمّ الّذي بعده، إلى أن تصل النّوبة للمتسابق (رقم5) فينطلق، ثمّ (رقم4) فينطلق، ثمّ (رقم3) فينطلق، ثمّ (رقم2) فينطلق، ثمّ (رقم1) فينطلق، فالسّباق لن يحصل ما دام لا نهاية لعدد المتسابقين وكل واحد منهم أوقف انطلاقه على من يليه. هكذا تماماً في العِلل والمعلولات، فكل معلول يقول أنا لا يمكن أن أكون موجوداً إلا أن توجد علّتي أوّلاً فتوجِدني، وعلّة هذا المعلول تقول أنا أيضاً لا يمكن أن أكون موجودة إلا أن توجَد علّتي أوّلاً فتوجدني، وهكذا نستمر إلى ما لا نهاية؛ وبالتّالي لن يوجَد شيء أبداً، فلا كون ولا موجودات، إذ أنّه حسب الفرض لا توجد (نقطة صفر) تكون هي العلّة النّهائيّة -أو قل البداية الأولى- لتنطلق العلّة الثّانية بعدها فتوجِد معلولها، ثم المعلول يوجد معلوله الآخر، وهكذا إلى أن يوجَد الكون بهذا الشّكل الّذي نراه؛ هذه هي قاعدة (استحالة التّسلسل)، وهي كما قلنا يؤمن بها كل عقل، و(نقطة الصّفر) -أي علّة البداية- هي ما يُصطلح عليها مسمّى (واجب الوجود). وببساطة أيضاً قاعدة (استحالة الدّور) الأخرى يُقصد منها أنّ الشّيء لا يمكن أن يتوقَّف في وجوده على نفسه، فالإنسان هل يمكن له أن يوجِد نفسه بنفسه؟ كلا. والقلم هل يمكن له أن يوجِد نفسه بنفسه؟ كلا. وكذا لو قلت: (باء) أوجدت (جيم)، و(جيم) أوجد (باء)، فهذا دور، وهو مستحيل؛ لأنّ نتيجته أنّ (باء) ستكون متوقّفة في وجودها على (جيم) المتوقّف في وجوده عليها، ممّا يعني أنّ (باء) صارت متوقّفة في وجودها على معلولها، أي علّة ومعلولة له في نفس الوقت، أنت خلقتني وانا خلقتك! فكيف يكون المعلول موجِد لعلّته في حين أنّه لا يوجَد إلا بعدها؟ لا يمكن ذلك، فهذا توقّف لوجود الشّيء على وجود نفسه، وهو كما ترى مستحيل عقلاً؛ فـ(باء) لا تتوقّف في وجودها على وجود (باء) نفسها، أي لا توجِد نفسها بنفسها، وكذا (باء) لا تتوقّف في وجودها على وجود معلولها، وإلا صار معلولها علّة لها لا معلولاً لها، كما ستصير علّة ذلك المعلول سابقة في وجودها على وجود معلولها، ومتأخّرة في وجودها عن وجود معلولها، وهو كما قلنا واضح الاستحالة ولا يعْقل. بما تقدّم اتّضح أنّ واجب الوجود لا يمكن أن يكون نقطتَي صفر أو علّتين، فهو يجب أن يكون –إن صحّ التّعبير- نقطة صفر واحدة؛ أي علّة البداية بلا تعدّد؛ ذلك لأنّنا لو فرضنا أنّ الله هو اثنين لا واحد، فهذا معناه أنّ (نقطة البداية) هي اثنتين لا واحدة، وهذا خلاف قاعدة (استحالة الدّور) الّتي أوضحناها هنا وفي القاعدة الثّالثة؛ حيث سنقول عندها: مَن أوجد ذلك الإله الآخر؟ ففي الجواب على هذا التّساؤل هناك عدّة فرضيّات، بعضها سليمة وبعضها خاطئة، وهي كما يلي: فإمّا أن تقول في الجواب: إنّ النّقطة (رقم1) أوجدت نقطة (رقم2)، وبهذا نعود للقول: إذن (النّقطة1) هي علّة وجود (النّقطة2)، فتكون (النّقطة1) هي (واجب الوجود) وهي نقطة الانطلاق والبداية لا غير؛ أي هي الله -خُدا، يهوه- سبحانه وتعالى؛ وبالتّالي لا مشكلة لدينا؛ إذ كما قلنا العقل يقول: لكل معلول علّة، وهذا الكلام لم يخالِف ما يقوله العقل كما هو واضح. وإمّا أن تقول: إنّ (النّقطة2) أوجدت (النّقطة1)، وبهذا نعودل للقول: إذن (النّقطة2) هي علّة وجود (النّقطة1)، فتكون (النّقطة2) هي (واجب الوجود) وهي نقطة الانطلاق والبداية لا غير؛ أي هي الله تعالى؛ وبالتّالي –أيضاً- لا مشكلة لدينا؛ إذ أنّ هذا ينطبق مع حكم العقل بأنّ لكل معلول علّة، وهذا الكلام لم يخالِف ما يَحكم به العقل كما هو واضح. علماً أنّ الاختلاف في الرّقم (1) و(2) لا يضر بقاعدة أنّ لكل معلول علّة، إذ ليس (1) و(2) إلا مسمّيات عابرة للتّشخيص فقط، مثيل أن تقول محمّد وعلي وحسن، لتشخيص هذا عن هذا، وإلا الله لا يخضع للعد، وكما قال سيّد البلغاء والمتكلّمِين عليٌ عليه الصّلاة والسّلام: هو واحدٌ لا من باب الأعداد. وإمّا أن تقول: إنّ من أوجد (النّقطة1) هو (النّقطة2)، ومن أوجد (النّقطة2) هو نفس (النّقطة1)، فهنا توجد مشكلة؛ لأنّ هذا يستلزم الدَّور، وقد عرفت في بيان قاعدة (استحالة الدّور) أنّ الدّور غير ممكن. هذا من جهة النّقطتين (1) و(2) –أي واجبَي الوجود- عندما ننظر لوجودهما بشكل مباشر، وقد عرفت بطلان كون (واجب الوجود) أكثر من واحد، وأمّا لو نظرنا لهما من جهة المخلوقات المنطلقة من واجب الوجود (نقطة البداية)، فهي تعطينا دليلاً آخر على استحالة أن يكون (واجب الوجود) أكثر من واحد؛ حيث يستحيل أن تكون الموجودات معلولاً لعلّتين تامّتين، إذ يمتنع أن يوجَد شيء من علّتين تامّتين معاً؛ ذلك لاستحالة اجتماع المثلين، واستحالة صدور الواحد من أكثر من واحد، فالواحد لا يصدر إلا عن واحد، وهاتان قاعدتان أخريان لا داعي للخوض فيها، وكذا لو فرضناهما علّتين ناقصتين فذلك خلاف كونهما واجبَين معاً، فواجب الوجود لا يكون علّة ناقصة، وعلى كلٍّ يكفي ما أثبتناه من جهة نفس وجود واجبَي الوجود مع بعضهما، واستحالة الدّور فيهما بلا حاجة هنا للدّخول في الجهة الأخرى من منظور الإيجاد. لكن بقي أن نجيب على تساؤل مهم قد ينقدح في الذّهن، وهو أنّه إذا كانت القاعدة العقليّة الثّالثة تقول بأنّ (لكل معلول علّة، وأنّه يستحيل أن يوجَد شيء بلا علّة)، ألا يحق لنا أن نقول: ما هي علّة وجود الله تعالى؟ وأنّ الله من الّذي أوجده؟ فأنتم تقولون (كل) بالشّمول؛ أي بلا استثناء، فهل إخراج الله عن القاعدة هو (تخصيص) لها بإخراج فرد من أفرادها؟ وإن كان تخصيص لها فبأي وجه حصل هذا التّخصيص؟! ج: نعم؛ هذا تساؤل مهم، وردّه هو أنّ القاعدة العقليّة (لكل معلول علّة) أساساً لا تشمل (نقطة الصّفر “واجب الوجود”)، فواجب الوجود خارج (تخصّصاً) عن القاعدة، لا (تخصيصاً)؛ فالقواعد العقليّة لا تخصَّص، فالعقل عندما يقول النّقيضان لا يجتمعان، فهذه قاعدة عقليّة تنطبق على كل نقيضين بلا استثناء، لا أنّ النّقيضين الفلانيَّين لا يجتمعان، والنّقيضين الفلانيَّين يجتمعان، فأنت مثلاً لمّا تقول: (هذه النّار حارّة وغير حارّة أيضاً)؛ فهذا غير ممكن، فهي إمّا حارّة أو لا حارّة، فالحرارة والبرودة لا تجتمعان في النّار، وبالتّالي كما أنّ هذا القانون الحراري ينطبق على هذه النّار فهو ينطبق على النّيران الأخرى، فلا يمكن إخراج فرد من النّيران عن القاعدة و(تخصيص) ذلك بالقول: كل النّيران حارّة إلا النّار الفلانيّة فهي حارّة وباردة. لهذا قالوا: (القاعدة العقليّة لا تخصَّص)؛ كذلك الأمر في نقطة البداية -الله تعالى- فهي خارجة عن القاعدة العقليّة (لكل معلول علّة) تخصّصاً لا تخصيصاً؛ أي أنّ هذه القاعدة لا تشمل (واجب الوجود) أساساً حتى نخرجه منها بالتّخصيص، فهي من الأوّل يَحكم العقل بعدم انطباق القاعدة عليه، مثيل عندما تقول: (أكرم العلماء)، والحال أنّ زيداً ليس من العلماء، فزيد على ذلك خارجٌ عن حكم وموضوع قضيّة (أكرم العلماء) من الأساس، لا أنّه داخل تحت القضيّة وأخرجناه منها وخصّصناه بعدم الإكرام، كلا، فهو أساساً ليس بعالم، والقضيّة قالت (أكرم العلماء) ولم تقل أكرم غير العلماء؛ لاحظ كيف أنّ خروج زيد من القضيّة خروج تخصّصي لا تخصيصي؛ أي هو خارج بنفسه دون إخراج له من أحد، فالقضيّة لم تشمله لنخرجه منها. هكذا الأمر بالنّسبة لـ(واجب الوجود)، فهو خارج عن القاعدة -لكل معلول علّة- تخصّصاً لا تخصيصاً؛ ذلك لأنّ العقل يقول باستحالة التّسلسل إلى ما لا نهاية في العلل كما أوضحنا في القاعدة العقليّة الأولى، وأنّ التّسلسل بلا نهاية يفضي إلى عدم وجود شيء، والحال أنّنا نرى للوجود واقع متحقّق، ونبصر فيه موجودات وخلائق ومكوَّنات. ختام: لو قلنا -فرضاً جدلاً- أنّ الإله اثنين لا واحد، وأنّ الثّاني مخلوق للأوّل، فلا مشكلة فهو مخلوق للإله الأوّل ومعلول له ومحتاج في وجوده إليه، فليس الثّاني إلهاً حقيقيّاً، ويبقى الإله الحقيقي المستحق للعبادة هو الأوّل وحده بلا شريك ما دام لا يريد منّا عبادة الإله الثّاني الّذي جعله إلهاً شكليّاً وخلقه بنفسه. هذا وقد ضرب القرآن الكريم لنا دليلاً عظيماً في نفي الإله الثّاني، وإثبات كون (واجب الوجود) لا يتعدّد فهو واحد لا اثنين، حيث قال تعالى: {لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ} الأنبياء: 22. أي لو كان واجب الوجود اثنين لا واحداً، فنظام الكون سيَفسد؛ ذلك لأنّ فرض كونهما إلهين هو الاختلاف في طبيعتَيهما وقَناعاتهما، وإلا بدون الاختلاف ولو من بعض الجهات لا تبقى صحّة لافتراض واجبَي وجود اثنين، فمجرّد أن تقول اثنين فمعناه أنّ هذا غير ذاك، ومادام هذا غير ذاك، فهذا ستكون لأفعال خاصّة به، وذاك له أفعال خاصّة به، والحال أنّ المفروض هو أنّ الكون واحد؛ وبالتّالي ستتشابك أفعالهما وآثارهما في الكون والوجود، ويتضارب النّظام بالنّظام، فلا يبقى للنّظام استقرار، وهذا خلاف ما نراه، فالكون متناسق متلائم مع بعضه بصورة متناهية. بل هذا يفسّر لك أيضاً سذاجة القول بأنّ العالم وجِد بانفجار عظيم، رغم دقّة تكوينه! فكيف توجِد الطّبيعة العمياء مثل هذا النّظام الّذي لا مثيل لدقّته وتناسقه وتكامله؟! لا يمكن أبداً. قد يقال: لنفرض أنّ الكون كونان لا كوناً واحداً، ونفرض واجبَي وجود، لكل كون واجب وجود واحد، وعندها لن تحصل مشكلة. ردّه: بهذا القول سنعود لقاعدة (استحالة التّسلسل)؛ حيث يستحيل عقلاً أن لا ننتهي لنقطة (صفر) تكون هي بداية انطلاق العالم والكون، ممّا يعني أنّ الكون واحد لا محالة. كما سنعود أيضاً لقاعدة (استحالة الدّور)؛ إذ لابدّ من توقّف وجود أحد الكونين على وجود الآخر، فالشّيء لا يمكن توقّف وجوده على نفسه؛ وبالتّالي عند الإقرار بكون أحد الكونين معلول للكون الآخر، فلن توجد مشكلة؛ لأنّ هذا لا يخالف القاعدة العقليّة (لكل معلول علّة) وبه سينتج أنّ العالم الثّاني معلول للعالم الأوّل الّذي أوجدته العلّة الأولى وهي الله تبارك وتعالى. وصدق الحديث القائل: “لو كان هنالك إله آخر غير الله لجاءتك رُسُلُه”، ومادام لم تأتِ رسلُه؛ أي مادام لا آثار للإله الآخر تدل عليه فهو لا وجود له، إذ الموجود لابدّ وله آثار وإن كان عدم الوجود لا يدل على عدم الوجدان بمعنىً ما خارج عن هذا المعنى، خصوصاً وأنّ الكلام عن الإلوهيّة، والإله الّذي نعبده يقول لا يوجد إله غيري في ظلِّ وجوب كون الإله إلهاً عادلاً يتّسم بجميع صفات الكمال بدليل ما نراه من كمال تصرّفاته وتوازن صنعه ودقّة مكوَّناته. وما أعظم ما ورد في الأذكار: إلهي “متى احتجتَ إلى دليلٍ يدلُّ عليك! عميت عين ٌ لا تراك”. نسألكم الدّعاء السيد أمين السعيدي-قم المقدّسة 29صَفر1433هـ |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا