مقتل علي(ع) برواية المؤرخين
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
عظم الله لكم الأجر أيها المؤمنون بمصاب إمامنا أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام .. عظم الله أجورنا وأجوركم بهذه الليلة التي عمت الكون فيها الظلمات .. لتضج السماء بهتافات الملائكة .. وتتقدم جموع الولاء بالألم والحسرة باكية مواسية معزية ..
وهل لإخوانكم في جماعة أنبياء أولي العزم (ع) إلا مشاطرتكم ومقاسمتكم العزاء بموقف عزائي متواضع في هذه المحنة الأليمة .. نقف بذلك في هيئة حامل لواء السواد المعزي لولي العصر صاحب الزمان وللنبي الأكرم وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .. فأحسن لكم العزاء جميعاً ..
قال الطبري في تاريخه و ابن الأثير في الكامل:
كان سبب قتله عليه السلام أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، و البرك بن عبد الله التميمي الصريمي و اسمه الحجاج ، و عمرو بن أبي بكر التميمي السعدي ، و هم من الخوارج ، اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس ، و عابوا الولاة ، ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم! فلو شَرينا أنفسنا لله و قَتلنا أئمة الضلال و أرحنا منهم البلاد ؛ فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علياً ، وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص ؛ فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه ، و أخذوا سيوفهم فسموها و استعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من رمضان.
فأتى ابن ملجم الكوفة ، فلقي أصحابه بها ، و كتمهم أمره ، و رأى يوماً أصحاباً له من تيم الرباب و معهم امرأة منهم اسمها قطام (بنت الأخضر التيمية) ، قُتل أبوها و أخوها يوم النهر ، و كانت فائقة الجمال ، فخطبها ، فقالت: لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف و عبد و قينة و قَتـْـل علي ، فقال:
أما قتل علي فما أراك ذكرته و أنت تريدينني؟ قالت: بل ألتمس غرته فإن أصبته شُفيَت نفسك و نفسي ، و نفَعَكَ العيش معي ، و إن قُتلتَ فما عند الله خير من الدنيا و ما فيها. قال:
و الله ما جاء بي إلا قتل علي ، فلكِ ما سألتِ. قالت: سأطلب لك من يشد ظهرك و يساعدك. و بَعَـثَتْ إلى رجل من قومها اسمه وَرْدان ، فأجابها ، و أتى ابنُ ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال: هل لك في شرف الدنيا و الآخرة؟ قال: و ما ذاك؟ قال: قتـْـلُ علي بن أبي طالب. قال شبيب: ثكلتك أمك ، لقد جئتَ شيئا إدَّا !! كيف تقدر على قتله؟!! قال: أكمنُ له في المسجد ، فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه. قال: ويحك ؛ لو كان غير علي كان أهون ، قد عرفت سابقته و فضله و بلاءه في الإسلام ، و ما أجدني أنشرح لقتله. قال: أما تَعلمه قَـتَـل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فلنقتله بمن قتل من أصحابنا ؛ فأجابه.
فلما كان ليلة الجمعة ، و هي الليلة التي واعد ابن ملجم فيها أصحابه على قتل علي و معاوية و عمرو ، جاءوا قطام و هي في المسجد الأعظم معتكفة ، فدعت لهم بالحرير و عَصَّبتهم به.”1″. وقال المفيد: إنهم أتوا قطام ليلة الأربعاء”2″.
وقال أبو الفرج في كتابه “مقاتل الطالبيين”: إنهم أتوا قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب ، و هي معتكفة في المسجد الأعظم ، قد ضربت عليها قبة ، فدعت لهم بحرير ، فعصبت به صدورهم ، و تقلدوا سيوفهم ، و مضوا ، فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة.
قال الشيخ المفيد رحمه الله:
و قد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، و أوطأهم على ذلك ، و حضر الأشعث في تلك الليلة لمعونتهم ، و كان حِـجْـر بن عدي في تلك الليلة بائتاً في المسجد ، فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ، فأحس حِـجـْر بما أراد الأشعث ، فقال:
قتلتَه يا أعور! و خرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر و يحذره من القوم ، و خالفه أمير المؤمنين عليه السلام في الطريق -أي ذهب من طريق غير طريق حِـجـْر فلم يلتقِ به- ، فدخل المسجد. قال الطبري و ابن الأثير:
فلما خرج علي نادى الصلاة الصلاة ، فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطلق ، و ضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف وقال الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك.
وقال أبو الفرج:
فضربه ابن ملجم فأثبت الضربة في وسط رأسه. قال ابن عبد البر: فقال علي:
فزتُ و رب الكعبة لا يفوتنكم الرجل“3”.
و روى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في أماليه بسنده إلى الأصبغ بن نباتة قال:
لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا ؛ أنا و الحارث و سويد بن غفلة و جماعة معنا ، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي عليهما السلام ، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا إلى منازلكم ، فانصرف القوم غيري ، و اشتد البكاء في منزله ، فبكيت فخرج الحسن فقال: ألم أقل لكم انصرفوا ، فقلت: لا و الله يا ابن رسول الله ، ما تتابعني نفسي و لا تحملني رجلاي أن انصرف حتى أرى أمير المؤمنين ، و بكيت ، فدخَـل الدار ، و لم يلبث أن خرج فقال لي: ادخلْ ؛ فدخلتُ على أمير المؤمنين عليه السلام ، فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه و اصفر وجهه ، فما أدري وجهه أشد صفرة أم العمامة ، فأكببتُ عليه، فقبلته، و بكيت، فقال لي:لا تبك يا أصبغ فإنها و الله الجنة ، فقلت له: جعلتُ فداك إني أعلم و الله إنك تصير إلى الجنة ، و إنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين”4″.
و روى قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب “الخرائج” عن عمرو بن الحمق قال:
دخلت على علي عليه السلام حين ضرب الضربة بالكوفة ، فقلت: ليس عليك بأس ، إنما هو خدش. قال:
لَعَمْري إني لمفارقكم . ثم أغمي عليه ، فبكت أم كلثوم ، فلما أفاق قال:
لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنك لو ترين ما أرى أن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض و النبيين يقولون: انطلقْ يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه”5″.
يقول الشاعر : –
عـليك أميـر المـؤمنين تـأســـــفي ** وحزنـي -وان طال الزمان- طويــلُ
جللت فجـل الرزء فيك على الورى ** كذا كــــــــــل رزءٍ للجـليل جـليـلُ
مصــــاب أصيب الــدين منه بفادح ** تـكاد شم الجبــــــــــــال تـــــزولُ
فلـيس بمجد فيك وجدي ولا البكا ** مفـــيد ولا الصبر الجميـــل جميلُ
وان سـئم البـاكون فيك بكــــائهم ** ملالاً فـإني للبكـــــــــاء مطـــــيلُ
فما خف من حزني عليك تفجعي ** ولا جف من دمـعي عليك مسيلُ
فعظم الله لكم الأجر بالمصائب الجليل .. والسلام عليك يا أبا الحسن آناء الليل وأطراف النهار .. ولا حرمنا الله شفاعتك في الدنيا والقبر والآخرة .. والسقي من كفك البيضاء عند نهر الكوثر..
———————–
المصادر:-
1- الأثير “للطبري”: ج2, ص175 ؛ أعيان الشيعة، ج1، ص531.
2- مقاتل الطالبين”لأبي الفرج الأصفهاني”: ص22.
3- أعيان الشيعة: ج1، ص531.
4- الأمالي”للشيخ الطوسي”: ص333.
5- الخرائج “للرواندي”: ج1, ص178.
السید أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا