مواجهة وتأديب العسكري(ع) لمن انحرف من الشيعة ومتابعيهم
طرح وتقديم طالبة العلم العضوة الفاضلة: 【يا صاحب الزمان】
تصحيح وإيضاح سماحة: السيد أمين السعيدي حفظه الله
قد خَـرَّ بدرٌ مِن سماءِ معاني ** يا وَحشةَ الإسلامِ والإيمانِ
ماتَ الإمام العسكري ببغيهم ** حَوَتِ الأنامُ مَرارةَ الفقــدانِ
قد جَـرَّعَـتْهُ يدُ الزمانِ نوائبـــاً ** تَـنبـوا عن الإحصاءِ والتبيـانِ
هُدِّمتْ قبته ولم يزل من القلوب ،، فكل بيت باسم والد الحجة الغائب المنتظر ،،
سيدي أبا صالح!
هاقد جاءتك وفود الموالين معزية بمصابك العظيم في أبيك المسموم .. وتنعاك من بينهم ( جماعة أنبياء أولي العزم “ع” ) رافعةً لواء الأسى والمواساة ،، فعظم الله لك الأجر يا مولاي وأحسن لك العزاء .. ولنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات.
لازالت الأمة تخوض في الانحرافات عن جادة الصواب ، وتعود إلى طبيعة الظروف التي تطرأ على المجتمع من ضعف الفكر العقَدي ، أو الانحلال الأخلاقي ، لا سيما فيما يرتبط بالتربية بين أبناء الأمة.
إن أهل البيت عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم قد أعدّهم الله سبحانة وتعالى لتربيتنا وتربية أبنائنا وانتشالهم من الانحرافات الضالة ، معبرين عن ذلك بأفعالهم وتوجيههم وإرشادهم ، ويبقى الأثر في الاستجابة لهدايتهم يكمن في انفعال كل فرد.
لذا أصبحت الانحرافات تشكل ركن هدم يعيش في أفكار الباغضين والحاقدين ، عبر مخطط يهدف لتفكيك العناصر الولائية لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم ؛ كي لا تكون لهم المرجعية التربوية والإصلاحية في أي شعب وفي أي أمة.
ونحن هنا نأخذ (الواقفية) و(المفوِّضة) كمثال تاريخي بإطار حديث وعصري يحاكي هموم الواقع المعاصر ؛ لنستقرء من خلاله المواقف التربوية والإرشادية للإمام العسكري عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهاته لهاتين الفرقتين في ظل كونهما من فِرَق الشيعية إلا أنهما انحرفتا ، وذلك كما يلي:
* الإمام العسكري عليه السلام والواقفية:
الواقفية جماعة وَقَفَتْ على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسلام ، ولم تقل بإمامة الرضا سلام الله عليه ،
وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان القندي الأنباري ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ،
وكان سبب توقفهم على إمامة الكاظم عليه السلام وعدم قَبولهم بإمامة الرضا عليه السلام ومَن بعده من الأئمة هو: أن زياد بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم(1).
روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه ، عن ابن يزيد ، عن بعض أصحابه قال:
مضى أبو إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ـ وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار ، وخَمس جواري ، ومسكنه بمصر ، فبَعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام:
(أن احملوا ما قِـبَلكم من المال ، وما كان اجتمع لأبي عندكم ، فإني وارثه وقائمٌ مَقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضا عليه السلام إلى موت الإمام الكاظم عليه السلام ـ ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قِـبَلكم).
فأما أبو حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي ، وأما عثمان بن عيسى فإنه كَتَبَ إلى الإمام الرضا عليه السلام:
إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حيّ قائم -أي ادعى أن الكاظم هو المهدي الذي يغيب ثم يخرج- ومن ذكر أنه مات فهو مبطِل ، واعمل على أنه مضى كما تقول ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأما الجواري فقد اعتقتُهنّ وتَزوّجتُ بهنّ(2).
وقد سأل أحد أصحاب الإمام العسكري عليه السلام عمن وقف على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قائلاً: أتولاّهم أم أتبرأ منهم؟
فكتب عليه السلام:
(لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك وتَبراْ منه ، أنا إلى الله منهم بريء ، فلا تتولاهم ، ولا تَعد مرضاهم ، ولا تشهد جنائزهم ، ولا تُصلِّ على أحد منهم مات أبداً ، سواء من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله أو جحد أو قال: قالت ثلاثة ، إن جاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا ، والزايد فينا كالناقص الجاحد أمرنا)(3).
وبهذا عَلِمَ السائل أن عمه منهم ، كما علم موقف الإمام الصارم من هذه الجماعة التي سميت بالكلاب الممطورة ، فقد روى الشيخ الكشي رضي الله عنه ، عن أبي علي الفارسي ، عن إبراهيم بن عقبة أنه قال:
كتبتُ إلى العسكري عليه السلام: جُعلتُ فداك فقد عرفت هؤلاء الممطورة ، فأقــْنِت عليهم في صلواتي؟ قال: نعم ، أقنتْ عليهم في صلواتك(4) ؛ يعني ادعي عليهم في قنوت الصلاة.
* الإمام الحسن العسكري عليه السلام والمفوِّضة:
والمفوضة جماعة قالت: إن الله خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وفَـوَّض إليه خَـلْقَ الدنيا ، فهو الخَلاّق لما فيها ، وقيل: فَـوَّض ذلك إلى الإمام علي عليه السلام(5) والأئمة عليهم السلام من بعده.
عن إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال:
كنت أقول فيهم قولاً عظيماً ، فخَرَجتُ إلى العسكر للقاء أبي محمد عليه السلام ، فقَدِمْتُ وعلَيَّ أثر السفر وعناؤه ، فألقيت نفسي على دكّان حمّام ، فذَهبَ بي النوم ، فما انتبهت إلا بمقرعة أبي محمد عليه السلام ، قد قرعني بها حتى استيقظت ، فعرفته سلام الله عليه ، فقمتُ قائماً اُقَبـِّـل قدمه وفخذه ، وهو راكب ، والغلمان من حوله ، فكان أوّل ما تَـلَقاني به أن قال:
يا إدريس! {بل عبادٌ مُكْرَمون * لا يَسْبــِـقونَهُ بالقَوْلِ وَ هُمْ باَمْرِهِ يَعْملون}(6). فقلتُ:
حسبي يا مولاي ، وإنما جئت أسألك عن هذا ، قال: فتَرَكـَـني ومَضَى(7).
وإن قوماً من المفوِّضة قد وَجَّهوا كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد عليه السلام ؛ قال كامل:
قلتُ في نفْسي أسأله: ( لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي؟ ) ، وكنتُ جلستُ إلى باب عليه ستر مُـرْخَىً ، فجاءت الريح فكَشفَتْ طَرفه ، فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها – يعني الحُجَّة عَجَّلَ الله فَرَجَه – ، قال لي:
يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررت من ذلك واُلـْهمْتُ أن قلتُ: لبّيك يا سيدي. فقال: جئتَ إلى ولي الله تسأله: (لا تدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك) ؟ قلت:
إي والله! قال: إذاً والله يَقِـلُّ داخلها ، والله أنه لا يدخلها قوم يقال لهم الحقية. قلت: ومن هم؟ قال:
قومٌ مِن حُبهم لعلي بن أبي طالب عليهم السلام يحلفون بحقه وما يدرون ما حقه وفضله. (أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته لا تفصيلاً من معرفة الله ورسوله والأئمة عليهم السلام).
ثم قال: جئتَ تسأله عن مقالة المفوِّضة؟ كَذَبوا ، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله ، فإذا شاء شئنا ، والله يقول: {وما تَشاءُونَ إلاّ أن يَشاءَ الله) (8) . فقال لي أبو محمد عليه السلام: ما جلوسكَ وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي ؛ فقمتُ وخَرجتُ ولم أعاينه بعد ذلك(9).
هكذا كان أبو محمد الإمام العسكري عليها الصلاة والسلام حريصاً على تربية الأمة عملياً وتوجيهياً بكل اهتمام ، كما كان يستهدف تذويب الانشقاقات التي كانت تبرز بين فترة وأخرى من أتباعهم سلام الله عليهم ممن أغرتهم الدنيا ، أو الذين أحاطت بهم الشبة عن قصد الوقوع فيها أو لا عن قصد الوقوع فيها. ثبتنا الله وإياكم على الحق والصواب.
وختاماً نرفع آيدينا بالدعاء لتعجيل فرج سيد آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، وفرجنا ، وصَدِّ كيد أعدئهم وأعدائنا .. اللهم آمين ..
(عظم الله لكم الأجر جميعاً).
المصادر:
(1) راجع رجال الكشي: 467 ح888 و492 ح946 ، وعنه في بحار الأنوار: ج48 ص251 ، وعنه في سفينة البحار: ج3 ص581.
(2) الغَيبة: ص64 ح67 ، ونحوه أخصر منه في رجال الكشي: 598 ح1120 وليس فيه: تزوجت بهن ، وفي ح1117: ثم تاب وبعث إليه بالمال ، وفي ح1118: أنه سكن الكوفة ثم الحيرة ومات بها.
(3) الخرائج والجرائح: ج1 ص452 ح38 ، وعنه في كشف الغمة: ج3 ص319.
(4) رجال الكشي: 460 ح875 و461 ح879.
(5) راجع معجم الفرق الإسلامية: 235.
(6) سورة الأنبياء: 26 و27.
(7) المناقب: ج4 ص461.
(8) سورة الإنسان: 30.
(9) الغَيبة: 247 ، بحار الأنوار: ج25 ص336 و337.
(10) المناقب: ج2 ص470.
(11) بحار الأنوار: ج50 ص273.
(12) بحار الأنوار: ج50 ص281.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا