تغطية لمحتويات ندوة (ر1) في فقه الحجاب وبعض مسائل الاختلاط:
كما وعدناكم أحبتنا نقدم لكم تغطية حول محتويات وعناوين الندوة [رقم1] في الحجاب والاختلاط التي ألقاها سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله في أواسط شهر رمضان المبارك 1434هـ ، حيث قــَسَّم البحث لندوتين متتاليتين كما يلي:
• أما محتويات الندوة الأولى فكما يلي:
بعد حمد الله والثناء عليه ، لَخــَّص عنوان الموضوع بالتالي:
[الحجاب من حيث المفهوم والرؤية العقلية والدينية والضوابط التشريعية والسلوكية].
ثم أشار إلى أن هذا البحث من المواضيع الواسعة والشائكة.
وأن الكلام سيختص بمجموعة من المسائل الضرورية والقضايا الملحة.
وأنه سيقدم الأدلة واضحة ويدع النتيجة للجمهور.
• ثم أشار إلى أن إيضاح هذه المسائل يحتاج لبيان بعض المصطلحات الخاصة بها ، فبيَّنَ:
1- مفهوم الحجاب لغة.
وفي هذا استعرض مجموعة مما نصت عليه المعاجم اللغوية.
2- مفهوم الحجاب شرعاً [وأبان المفهوم شرعاً من باب تسهيل تصور مسائل الموضوع لدى الجمهور ، لا من باب النتيجة والإقرار قبل الدليل].
وفي هذا استعرض بعض الأقوال البينة والآيات الكريمة.
ثم أشار إلى ما يقابــِل الحجاب ، وهو التبرج والسفور ، فأبان هذين المفهومين لغةً واصطلاحاً أيضاً ، وذلك باستعراض أقوال اللغويين والفقهاء.
• وبعد هذا التمهيد للمصطلحات الضرورية في البحث ، أشار لملاكات وفلسفة التشريع والأساس التقسيمي للأحكام الشرعية الخمسة:
(الواجب ، والمحرم ، والمستحب ، والمكروه ، والمباح بكلــَي معنييه: الإباحة بالمعنى الأخص والإباحة بالمعنى الأعم).
• ومنه دخل لبيان ارتكاز البحث على:
أ- الرؤية العقلية ب- و(الرؤية الدينية).
ففــَرَز البحث إلى جهتين ، واختصَّ الندوة الأولى في الموضوع بالقسم الأول ، وهو الرؤية العقلية ، بينما أحال القسم الثاني –الرؤية الفقهية- للندوة الثانية في الليلة التالية.
وفي ضمن هذا البحث العقلي أشار أولاً للثمرة الرئيسية من عقده والشمولية فيه.
ثم أشار ثانياً إلى أن هذا التقسيم لا يعني التصادم بين العقل والدين ولا أن هنالك رؤية في قبال رؤية أخرى ، وإنما هنالك أفق في قبال أفق كما بَيَّن وأثبَت بشكل عملي.
• وفي نفس الصدد أوضح كيف أن العقل يدرك بذاته قوانين ثابتة لديه ، ثم ركــَّز البحث في بيان نقاط تصادم العقل مع الدين ونقاط الالتقاء ، والعلة الحقيقية في الحالتين.
ثم ذكــَر بأن الدين نفسه يأمر باتباع العقل ، وذكــَر شيئاً من الشواهد القرآنية والشرعية على ذلك.
وهذا ما دفع به للاستدلال على أن من يرفضون العقل –من مذاهب السفسطائية وبعض الإخبارية والفلسفة المادية التجريبية وغيرهم- لم يرفضوه عملياً ، فطرَح الأدلة العقلية والعملية الحاسمة لرد مزاعمهم الهشة.
وفي ذات الإطار طرح في أسس هذا القسم من البحث قضية مهمة مفادها: مراعاة العقل والشرع للحيثيات والظروف والمتغيرات.
• ثم قسَّم –تبسيطاً للحضور- قواعد وقوانين العقل التي يدركها بذاته إلى قسمين:
1- القواعد العقلية المنطقية العامة.
وهذا النوع من القوانين العقلية الذاتية يدرك فيه العقل القواعد المنطقية العامة والتفاصيل الجزئية أيضاً. وضرب لذلك مثالاً واضحاً.
2- القواعد العقلية السلوكية.
وهذا النوع من القوانين العقلية يدرك فيه العقل القواعد الأخلاقية للسلوك العام ، ولا يدرك فيه الحدود والتفاصيل الجزئية. [وفيه ضرب مجموعة من الأمثلة السلوكية على مبدأ التحسين والتقبيح العقلي].
وبالتالي:
على المستوى الأول من قواعد العقل ، يمارِس الشرع عملية إرشاد العقل والتأكيد وبيان العواقب الغيبية لا غير ، بينما على المستوى الثاني من قواعد العقل فالشرع يمارس عملية التفصيل وتحديد الضوابط الجزئية التي لا يدركها العقل بذاته.
فدور الدين بالنسبة لقسم القواعد العقلية الذاتية الأول دور يختلف عن دوره في القسم الثاني ، ومن هنا يبرز دور الدين ، ويظهر وجه عدم التصادم بين العقل والشرع.
• وبعد هذا التأسيس المهم حَدد سماحته حفظه الله بحــْث المقام [الحجاب والاختلاط] من أي نوع من هذين القسمين؟ فصنــَّفه –في إطاره الخاص- من القسم الثاني ، أي من قسم السلوك والأخلاق.
وبالتالي يكون دور العقل في هذا الموضوع دور الحاكم المُعطي لقاعدة عامة في [الحجاب والاختلاط] ، وفي المقابــِل دور الشرع يكون:
1- دور المرشد والمؤكــِّد لذلك الحكم الذي يثبت لدى العقل كيفما كان ، ودور المبيِّن للعواقب الغيبية ، 2- ودور المفصــِّل للجزئيات والضوابط والحدود المرتبطة بتلك الجزئيات الغائبة عن إدراك العقل.
• من هنا انبرى لطرح السؤال الجوهري التالي:
ما هو حكم العقل تجاه الحجاب والاختلاط؟
• وفي طور الإجابة على ذلك أثار بدايةً قضية مهمة ، أشار فيها إلى أن البعض قد لا يعجبه بعض ما سيدور في البحث العقلي أو الشرعي ، أو كليهما ،
وذكــَر في بيان العلل والأسباب بأنها لا تعود دائماً للقصور العقلي في الفهم والوعي لدى المنكِـر ، وإنما بعضها يعود إلى:
1/- إما تحرجه البعض من أمر نذكره في البحث على خلاف ما سلك هو أو أهله ومن ينتمي إليه.
لذا ينبغي أنه لو رأينا شخصاً يأمر بالمعروف ويعتقد بالحجاب بينما أحد أقاربه لا يــَتقيد بذلك ، فهذا لا يعني أن ننسب النقص لذلك الشخص ولا يعني أن نحمله جرم غيره ولو كان ينتسب إليه ، فهو عليه النصح وما تطـَلــَّبه ، كما تجب عليه التربية والرقابة الدائمة لأبنائه ومن تحت ولايته إن كان ولي أمر ، كالأب تجاه أبنائه وما شاكل.
2/- ومن الأسباب لرفض بعض ما سيدور عليه البحث هو الإصرار في البقاء على معصية يميل إليها الرافض.
3/- أو عدم الشعور بالمسؤولية وفقدان مَلــَكة التكافل مع المجتمع تجاه ذلك.
4/- أو قد تكون العلة في الرفض وجود شبهة في فكر الرافض أو غفلة عن الواقع الحقيقي.
وغير ذلك من الأسباب والعلل.
• ثم قال حفظه الله بما مضمونه:
إن كان اختلافك مع الله -العليم الخبير الآمر باتباع المحاسن واجتناب القبائح- فشأنك معه.
أما إن كان اختلافك معنا ، فنحن أبناء الدليل أينما مال نــَمِـيــْـل ، لذا لن نقل إلا بدليل ، فعتابك مع الدليل لا معنا.
لكن اعلم أيها العزيز بأن أي تجرؤ يصدر منك على ولي النعمة سبحانه ، فإنه يقع تحت نظره جلت أسماؤه وتحت نظر مولى العصر صلوات الله وسلامه عليه.
وكذا اعلم أن أي انحراف منك سينعكس لا محالة على المجتمع.
• وإذا انعكس على المجتمع فبالضرورة سوف:
1- تــُفــَـوِّت عليهم ملاكات الأحكام العلية والشرعية ومصالحها فضلاً عن تفويتك ذلك على نفسك ومن ينتسب لك.
ومن المعلوم بأن هذا حق الناس وحق الله ، والله العلي الجبار لا يتنازل عن حق الناس بتاتاً فيما لو أمكن أن يتنازل عن بعض حقوقه بسبب معين.
2- ستكون مساهماً في انحراف المجتمع ، وهذا الانحراف قد لا ينقطع ولا تستطيع إصلاحه أبداً مهما فعلت.
ومن ثم ستحمل إصر ذلك الانحراف الاجتماعي في دنياك وأولادك وأقاربك ، وكما يقال فإن (الله تعالى لا يــَضرب العبد بعصا ، وإنما يــَضربه بنفس أفعاله).
وكذا ستحمل إصر ذلك في القبر والبرزخ ، وستجد نفسك في البرزخ تأتيك سيئات من حيث لا تعلم ، فتتفاجأ من أين تأتيك! فكلما خلصت من عقاب سيئاتك جاءتك سيئات جديدة رغم أنك فارقت الحياة ،
وليس ذلك إلا لأنك تتحمل ما سببتــَه للمجتمع من احرافات قبل رحيل ، حتى لو كان ذلك فقط بفعل مساهمتك في الانحراف لا بفعل ابتكاره.
• ثم قال سماحته حفظه الله في الجواب على السؤال المركزي في البحث حول حكم العقل تجاه الحجاب:
إن العقل بتجرده عن [الحيثيات الخارجي] بما هوَ هوَ قد لا يرى قبحاً في السفور وعدم التحجب.
وعلــَّـل ذلك بقوله:
لأن العقل قد يفرض حالة من التوازن النفساني في الكائن البشري بما لا يمنع من السفور وبما لا يحدِث قبحاً وخللاً وانحرافاً في مسيرة المجتمع ونظامه.
لكن العقل بملاحظة [الحيثيات الخارجية] -المرتبطة بنظام الحياة وواقعها من هذه الجهة- قطعاً يحكم بقبح السفور والتبرج ، ويرى حُسن الحجاب ويـُـلزِم به ضمن النظام الحياتي الضروري السليم.
• ثم ذكــَر حفظه الله أمثلة لـ[الحيثيات الخارجية] ، وقال بأن بعضها مترابط ببعض ، وهي من قبيل:
1- إهانة المرأة بحكم طبيعة تكوينا الجاذب ، وجعــْـل البعض لها في مستوى شهوة الحيوان.
وهذا قبيح عقلاً ، والعقل كما أشرنا في النوع الثاني من أحكامه الذاتية –أي قسم القوانين العقلية السلوكية- يـَـنهى عن القبيح ، ويأمر بالنظام القويم الحافظ للحقوق العامة والخاصة.
2- استعمال المرأة كسلعة تجارية مجردة عن القيمة الإنسانية كما نرى ، (فحتى السيارة حديثة الصناعة والموديل أصبحَت يروَج لها بامرأة تقف بجانبها ، وحتى كرة القدم!).
وهذا قبيح عقلاً ، لما فيه من استعمال مشين للمرأة ، والعقل ينهى بذاته عن ذلك.
وليس الكلام في الدعاية وحدها كيفما كان ، وإنما الكلام في نفس الاستعمال كسلعة تجارية.
3- ابتزاز المرأة من بعض الحمقى ومضايقتها من بعض الأرذال ، كما أشار لذلك صريح القرآن حسبما سيأتي في البحث الفقهي.
وهذا قبيح عقلاً دون أدنى ريب.
4- تفكك الروابط التي يقوم عليها نظام الحياة كالرابطة الأسرية مثلاً.
قال حفظه الله في بيان هذه الحيثية المهمة:
إن الرجل فطرياً خــُـلِق لا يشبع من الإعجاب بالأنثى وخــُـلِق ميالاً لها ، فإذا هو لم يروِّض ذاته انطلقت تنهش مما تجد ، وكل امرأة جملية هناك امرأة أجمل منها ، والروتين الزوجي أيضاً له دوره ، وكذا حب الإنسان للتجديد له دوره ،
وبالتالي من المحتمل جداً إنتاج بيئة متفككة وعلاقات أسرية رخوة تقوم على الشهوانية العمياء وعلى المقارنات بين الزوجة وغيرها من المتبرجات.
وهذا أيضاً قبيح عقلاً كما هو واضح.
• فإن قيل: لماذا نحكم على الرجل بسوء ظن؟
فالجواب/
أن يهذِب ويـَكبح الرجل ذاته وشبعها فهذا على الواقع حقيقةً غير متوفر ، فيجب أن لا نــَخدع أنفسنا وأن لا نضيع فلذات أكبادنا للرُخصاء ،
لذا يــَلزم الحيطة تجاه هذه النوعية من الرجال ، فالقرآن الكريم دائماً يصنــِّف الغالبية للانحراف ، فيقول أكثرهم فاسقون وأكثرهم لا يعقلون و…
والأمر طبعاً ليس مختصاً بالرجل وحده ، بل حتى المرأة كما هو واضح.
• وعليه ؛ سيترتب عما سبق انحرافات بالتبع منها:
العلاقات الغير مشروعة.
وهذه تجر بطبيعة الحال للنكاح والمقاربة بشكل جنوني منحرف وغير إنساني ،
ثم ستجر لانتقال الأوبئة النفسانية والأمراض الجسمانية الخطرة ، وكذا الإنجاب الغير صحي والغير مسؤول.
ومن ثم ستجر لقتل الأطفال أو الجنين بإسقاطه أو بأي شكل من الممارسات اللاإنسانية للتخلص من العار الاجتماعي.
وكذا في أحسن الأحوال إن تــُرك الجنين لينمو ويعيش ، فسيُـتعامل معه بلا إنسانية في مجتمع اللاإنسانية الفاقد للشعور بالمسؤولية لقيمة العرض والشرف والمرأة والإنسان ،
وحتى الإسلام لن يعتبر هذا الجنين كالجنين الطاهر لاعتبارات إلهية حكيمة أشرنا لبعضها في مقام آخر.
كل هذه الأمور قبيحة عقلاً أيضاً ، والعقل ينهى بذاته عنها.
• لا تقل:
لا لن يحصل انجذاب ومناكحة وما ذكرتم من مساقط . فالنفس ميالة ، والواقع من آدم إلى اليوم شاهد ،
ودونك أوروبا ، فرغم الاعتياد والحرية هناك إلا أنهم لا يَسلمون من هذه الكوارث كالاعتداء والاغتصاب وضياع الأعراض والقتل والتفكك الأسري وإهانة المرأة وإذلالها والمتاجرة بها والأمراض الفتاكة وغير ذلك مما يندى له الجبين ،
ناهيك عن أنهم بدؤوا يعرفون قيمة الحجاب الذي باعته مخدراتنا.
إن هذا الواقع المَيلي لا ينجو منه إلا الصالح الدَّيــِّن المحصَّن جيداً ، والحال –كما قلنا- قلة هؤلاء حقيقةً ، فلا نخدع أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا. وإلا فنحن نتمنى أن يكون الجميع أسوياء وصلحاء وأهل اعتدال وتقوى.
هذا طبعاً ليس تقليلاً لقدر البعض ، لكنه الواقع المر ، ويجب الحذر منه.
وما حديثنا هنا إلا لنــَـتدارس ونتقدم.
• قال حفظه الله:
ثم إن اختزال الحجاب فى البـُعد الديني ، ثم عزل البـُعد الدينى عن الأبعاد الاجتماعية والإنسانية الأخرى ، دليل على القصور التحليلي لمن حولوه إلى مؤشر على التخلف.
وها نحن رأينا مدى ارتباط الحجاب بالتعقل والنظام العقلي الصحيح.
• ختاماً:
من أقواله الناصحة الصادقة رعاه الله:
[ • إن الحجاب في نظر العقل يحمي المرأة الشريفة المحتشمة من النفوس النزيلة والذئاب الضالة والنزوات المفترِسة وأهواء الاستغلاليين وميولهم الدنيئة وغاياتهم الرخيصة.
• فيا فلذة كبدنا!
لا تجعلي من نفسك الغالية شهوة حيوانية رخيصة ينتهزهاء أراذل البشر من هؤلاء ، ثم إذا شبعوا أو وجدوا لعبة أخرى تستميل أهواءهم اللارحيمة وقلوبهم الميتة أكثر ، قذفوكِ وباعوك بأدنى الأثمان وبآلـَم معاني الاحتقار ، وبأرفع مفاهيم تنزيه الذات القاسية اللامسؤولة ،
ثم لا يــَقبل الوحد منهم حتى أن يكون ذا معرفة بك فضلاً عن أن يكون زوجاً لك أمام الآخرين أو جزءً من شرفك أو نسباً له.
• أختاه!
أيتها العزيزة!
حجابك سلاحك الذي يعزك بين هؤلاء القساة المفسدين ذوي الأنا وصرعى جنون الذات ، فلا تبيعي سلاحك لشيطان نفوسهم ، تمسكي به بكل عزمك وإرادتك ، وليكن دائماً في قبضتك يحجبك عن الفتن والمعاصي ، أحبيه وكرميه واعرفي قدره ، حافظي عليه بقوة ،
فإنه في أي لحظة يسقط منك سوف يكشف الرخصاء عن حقيفة أقنتعتهم وسفاحهم وضعف قيــَمهم ودناءة نفوسهم ، ولحظتها ستعرفين واقع هذه الحقائق ، فإن نار هؤلاء في الدنيا حارقة ونار الله في البرزخ والآخرة أشد جـَلداً وإحراقا].
————-
• هذا موجز ما ورد في محتويات هذه الندوة الشيقة –ندوة (رقم1) حول الحجاب- وإن شاء الله نوافيكم بموجز محتويات الندوة (رقم2) في ذلك ،
والتي تناول فيها سماحته المسألة بمنظار فقهي ديني عميق ومفصــَّـل ، واستعرض فيه مختلف النظريات ومبانيها ، والأدلة العلمية وغير ذلك.
——————
• أعدَّ الموجز: مؤسَّسة أنبياء أولي العزم (ع) – قسم التغطيات والإعلام.
• أقام الندوة: لجنة الإمام المهدي (عج) بسيهات – حسينية أبي الفضل العباس (ع).
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا