نظریات حول صفات الله واسمائه● السائل
انا عندما أقول الظلام .. هل هناك أصل للظلام ؟ أم أن الظلام هو غياب الضوء ؟ أو هل هناك أصل للشر أم الشر غياب الخير؟ فعندما أنسب أصل الخير للشر كأني أنفي الخير أليس هذا يستلزم عدم الخير و تأصل الشر ؟ ● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هناک توجد نظريات متعددة في صفات الله تعالى التي هي بحث كلامي وعقلي، فهناك من قال بأنها قضايا لا واقع لها، ولا محل لها من الإعراب في العلم، وهذه نظرية “الماديين” الذين ظهروا مؤخراً في عصر النهضة، حيث يخضعون كل شيء للتجربة؛ لذا قالوا بعدم إمكان إدراك الصفات الإلهية كونها مفاهيم عقلية لا يمكن إخضاعها للتجربة المادية. وهي نظرية ساقطة باطلة أشد السقوط والبطلان، بل هي أضعف النظريات، وتؤول لمذهب السفسطة تجاه العقل، كما أنها نظرية متناقضة تنتهي إلى التناقض الصريح في مضمونها واُسسها، حيث تنفي المفاهيم العقلية وهي أساساً تقوم على المفاهيم العقلية فتعطي قواعد كلية من قبيل قولها (كل شيء خاضع للتجربة المادية، وكل ما لا يخضع للتجربة فهو لا واقع له)! مع أن نفس هذه العبارة عبارة ذهنية مفهومية لا يمكن إخضاعها للتجربة، فهي مجرد ألفاظ ومفاهيم مثلها مثل الصفات الإلهية التي هي ألفاظ ومفاهيم واقعية. وهناك نظرية أخرى في المقابل وهي نظرية من قال بأن الصفات الإلهية قابلة للإدراك لا أنها غير قابلة للإدراك، غاية الأمر أن الصفات الإلهية لا يمكن فهم كنهها، وبالتالي يجب “السكوت” في هذا المجال؛ لذا تسمى بنظرية “السكوت”؛ وهي نظرية باطلة أيضاً؛ كونها تؤدي إلى تعطيل المعرفة بالله تعالى في حين أن الوجدان يقطع بإمكان معرفة صفاته وبأننا نعرفه بصفاته ونذكره بها ونشير له بها في دعائنا ونميِّز بين صفة وأخرى، فمثلاً: عند الفرح نناديه بالقول (يا كريم نحمدك ونشكر)، وعند الظلم نناديه مثلاً بالقول (يا جبار انصرنا)، وعند الذنب نناديه (يا غفور ارحمنا) وهكذا … فنحن ندرك الصفات الإلهية ونميِّز بينها، وهذا دليل وجداني واضح على معرفتنا بها، مما يعني بطلان نظرية “السكوت” ونظرية “التجريبيين” الساقطة المنْـحلة. أما أتباع هذه النظرية -نظرية السكوت- فهم أفلاطون أحد كبار علماء اليونان، وتبعه في ذلك “أفلوطين” مؤسس المدرسة الأفلوطينية صاحب كتاب “الأثولوجيا”، وإن كان أفلوطين يقول في ذيل نظريته بإرجاع الصفات الإلهية إلى الصفات السلبية. وهناك نظرية ثالثة وهي نظرية من قال بأن الصفات الإلهية قابلة للإدراك أيضاً، لكن لا على نحو إدراكنا للصفات الكمالية الموجودة في الإنسان، من العدل والعلم والقدرة والحياة وما شاكل، وإنما على نحو آخر، وهي ما يسمى بـ”نظرية التمثيل”، بحيث يتم تقشير كل الزوائد من صفات الإنسان ثم ننسبها لله تعالى على أتم وجه؛ ورائدها هذه النظرية هو طوماس المعروف. طبعاً هذه النظرية تخالف نظرية المجسِّمة الذين جسَّموا الله تعالى من أمثال ابن تيمية وغيره، وإن قالوا بأن لله يد مادية تختلف عن يد الإنسان، ووجه مادي يختلف عن وجه الإنسان من منطلق كونه تعالى ليس كمثله شيء! ثم بعد أفلوطين جاء العالم “موسى بن ميمون” الشهير الذي هو من أصل يهودي، فقال بأن الصفات الإلهية قابلة للإدراك أيضاً، فأسَّس لنظرية إرجاع الصفات الإالهية إلى “الصفات السلبية” التي هي نظرية أفلوطين قديماً الموجودة في طيات نظريته القائلة مثل أفلاطون بـ”السكوت”، فموسى بن ميمون عمَّق نظرية الصفات السلبية” واستَدل عليها، وبيَّن سبب عدم إمكان إرجاع الصفات الإلهية إلى الصفات الثبوتية، فعُرِفَ بهذه النظرية وصارت تُنسَب إليه. فهذه النظرية هي محل سؤالكم وكلامكم، فهو يدور ضمن دائرتها. ثمَّ إنّ الظّلام -الوارد في إشكالكم- له أصل وإن كان هو غياب الضّوء، وإلا لو لم يكن للظلام أصل لما كان له تحقّق في الخارج. وكذا الشّر، لو لم يكن له أصل لما كان له تحقّق وأثر وعوارض في الواقع. لهذا قلنا أنَّ إشكال المستشكل على إرجاع الثّبوتيّات إلى السّلبيّات باستلزامه للعدم (قد)، لاحظ نقول (قد) يُرد عليه بالقول: إنَّ هذا لا يستلزم العدم، وإلا لما كانت للصّفات السّلبيّة حقيقة ووجود أيضاً، مع أنّها حقيقةً من الصّفات الإلهيّة الفعليّة. فمثال الظّلم والشّر شبيه بما ذكرناه في مثال (موجود) إذا أرجعتها إلى (لالا موجود)، فصارت نفي للنّفي، أو قل نفي للعدم، أي غير معدوم، وبالتّالي هل هذا يؤدّي للعدم؟ فأنت بقولك غير معدوم صفة سلبيّة أرجعت موجود -الصّفة الثّبوتيّة- إليها، فغير معدوم يعني معدوم؟!! كلا لا يؤدّي ذلك للعدم؛ فهو كما ترى نفي للعدم. وعليه؛ فإنّ إرجاع الصّفات إلى غيرها في ظل وحدة الذّات قد يقال بعدم استلزامه للعدم، ممّا دفع بالمُرجع للصّفات الثّبوتيّة إلى السّلبية لأن يقول بهذا الرّجوع. طبعاً هذه النظرية -نظرية إرجاع الصفات الإلهية إلى الصفات السلبية- وإن كان “موسى بن ميمون” ذكر إشكالات على إرجاع الصفات إلى الثبوتية لا السلبية، من قبيل (تَعدد الذات الإلهية وكون وحدتها وحدة صورية لا حقيقية وهو أمر مستحيل)، وكذا (تَحقق التركيب في ذات الله تعالى كالجسد المادي رغم اعتقادنا بتجردها لا بتركيبها)، وكذا (تَعدد القدماء وهو مستحيل كون واجب الوجود -العلة الأولى في الوجود- واحد لا يمكن تعدده)، وكذا (جريان العوارض على ذات الله سبحانه في ظل تركبه المستحيل). فإشكالات “موسى بن ميمون” وإن كنا نؤمن بالاستحالات المذكورة فيها إلا أنها إشكالات واهمة مردودة، يمكن تجنبها بطرح نظرية أخرى سليم، كون نظرية الصفات السلبية عليها إشكالات هي أيضاً، كما أن نفس النظريات الأخرى التي ذكرناها مردودة بالدليل القاطع والبرهان الساطع، فنظرية “موسى بن ميمون” -محل كلامكم وسؤالكم- عليها ما عليها وإن كنا نسلم بالصفات السلبية الإلهية ونقول ان الله ليس بجاهل، وليس بمعدوم، ولا ظالم … ثم بعد نظرية “الصفات السلبية” جاءت نظرية “الملاصدرا الشيرازي” رحمه الله صاحب كتاب الأسفار الأربعة، والذي تقوم نظريته على أساس كون “الوجود هو الأصيل“، وكون “مفهوم الوجود مفهوم مشكك مثله مثل النور الذي يتفاوت في مراتبه بين نور الشمس الشديد وبين نور المصباح الضعيف”، حيث عالج “الملا صدرا” رحمه الله جميع الإشكاليات بهذه النظرية، فمثَّلَت نظريته أدق النظريات وأتمها في مجال بحث الصفات الإلهية. السید امین السعیدی
|
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا