الوافي بأحكام زكاة الفطرة بأسلوب مبسَّط
مع سماحة مشرف الجماعة السيد أمين السعيدي
مَدْخَل:
اعلمْ حفظك الله أن زكاة الفطرة من الألطاف الإلهية الغَرَّاء العالية والعجيبة؛ وهذه الألطاف على نحوين: نحوٌ خاص يتعلق بنفس دافع الزكاة، ونحوٌ آخر يتعلق بالمدفوعة إليه، وفي كل واحد من النحوين لطائفُ جَمّةٌ وجليلة أَتدبر معك بهذه اللحظات الميمونة في شيءٍ بسيطٍ منها ومن ثم نتعرض لأحكام هذه الزكاة.
أما النحو الأول؛ فزكاة الفطرة (زكاةُ الأبدان)؛ ذلك لأنك فيها لستَ تزكي مالك بالوجه المخصوص على صورته العرفية؛ إذ قد لا تكون قد اكتسبتَ في سَنتك مالاً جديداً ومع ذلك تجب عليك بالاستطاعة وتَوفُّر الشرائط التي سيأتيك ذِكرها، ففي زكاة الفطرة إنما أنت تزكي بدنك ونفسك؛ وزكاة البدن على جهات كثيرة ومنافع غفيرة؛ منها حيازة الصحة والسلامة، والنقاء، والنشاط والقوة؛ وهذه يَصْدُق عليها (زكاة الأبدان بالمعنى الأخص)؛ وإذا صحَّ الجسم صحَّ الدماغ والعقل الذي هو أعظم الملَكات والقوى لديك؛ فالعقل السليم -الصحي- في الجسم السليم.
وزكاة النفس كذلك على جهاتٍ عدةٍ عظيمة؛ منها التهذيب والسلوك في عروج سَفَرِها الناسوتي والملكوتي، وطهارة القلب وصفاء الروح، ولا أعظم من ذلك في حياة الإنسان؛ وبالتالي فإنما الإنسان ينال هذه الأمور العظيمة الجليلة بتزكيته عن نفسه، ويَطلبها لعياله بالتزكية عنهم؛ وهذه (زكاة الفطرة بالمعنى الأخص المتعيِّن في معنى فطرة الله التي فَطَر الناس عليها)؛ فأنت تَحفظ هذه الفطرة وتحافظ عليها وتصفيها من شوائب الذنوب وآفات الغفلات العالقة بها بين عيدين وتُقَوّيها.
وأما النحو الثاني؛ فإنّ زكاة الفطرة عيدُ الفقراء والمساكين المعوزين الذين غفلَتْ عنهم يد المسؤولية والْتَهَتْ عن حاجاتهم الأناة والأطماعُ وجشع النفوس والآفاتُ والأسقام والكوارث؛ فجَعَل الله تعالى الزكاة في عيدين جابرةً لبعض معاناتهم ضِمْن منظومة تشريعية تكافلية متكاملة ومتقَنة، وشراكة لهم في أموالنا، واستشعاراً منا لآلامهم وأوجاعهم، والتقليص من مسافات البُعد عنهم والنسيان لهم، وإكساء عِريِّهم وسد جوعهم وإرواء ضمئهم وإنعاشهم وإنعامهم برغد العيش الذي لا ينالونه؛ وهذه يَصْدُق عليها باعتبارات جسمانية ونفسانية ب(فطرة الإفطار والطعام بعد الصيام).
واعلمْ رعاك الله بفيوضاته القدسية، أن لكل عيدٍ نظاماً وقوانين وأَبعادَ ورعاياتٍ إلهية حكيمة دقيقة وممتدة، بعضها نَعْرفها بالتدبر والتمعن والتأمل، وبعضها نصل إليها من مَنبع الحكمة وهم محمد وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وبعضها لا تدركها عقولنا الصغيرة الفقيرة الحقيرة القاصرة؛ ومن ذلك أن الزكاة ترتبط بالعيد وبالصيام.
أو قُلْ: لها حَظُّ ربطٍ وثيقٍ ب(الصيام والعيد) من جهة خاصة. في حين أن هذه الزكاة يراد فيها حتماً استشعار حال الفقراء والضعفاء والأرامل والأيتام ..، لا مجرَّد أن تتصل بالعيد وصَلاته فحسب، كما سيأتيك مَلِيّاً واضحاً؛ ذلك لأن العيد هو يومٌ عامٌّ طِبْقَ مؤداه الديني والإنساني والسياسي والاجتماعي والأُسَري، وإذ لو كانت تراد الفطرة للأداء كيفما اتّفَق؛ لَجاز -على الأقل- أن يَدْفع الفقير فطرة الغني عندما يَرغب الفقير بدفعها عن غنيٍّ ما من كل قلبه وبكامل إرادته؛ والحال أنه لا يجوز ذلك شرعاً؛ إذ دفْع الفطرة من الفقير عن الغني غير مُجْزية ولا تُسقِط التكليف عن الغني ولا ترفعه عن كاهل ذمته حتى لو كان ذلك الفقير والد ذلك الغني، مع لحاظ كون الغنى الذي نقصده ليس خصوص الثراء فحسب، وإنما الغنى المقصود هو ذات معنى الغنى الشرعي الذي سنبينه لك.
وكذا من أحكام العيد بما له من صفة الأبعاد المذكورة، وبما فيه من الزكاة الواجبة وضوابطها المشرَّعة بعوائدها الظاهرة والخافية، فإنّ العيد عبادة والفطرة عبادة، وأي إخلال مُزِل بالنية عند دفع الحق للفقراء؛ فإنّه يُبْطِلُ الزكاة والعمل.
لذا أيها العزيز؛ عندما تقدِّم فطرتك قدِّمها بكل حُبٍّ واهتمام، وتَلَطَّف فيها مستشعراً بركاتها ولطائفها الإلهية الربانية الكبرى والعميقة، فلا تبخل، ولا تتشاغل عما فيه خيرك وبِرك وطهارتك، وإياك أن يوسوس لك الشيطان بحكمة الله وعزيز تدبيره فتَخترِع من عندك في ساحة جبروته ما لا يليق من العقيدة وتَطعن في أهل العلم والبصيرة بما يُنْقَل عن الله ونبيه الآخذ عن الوحي وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أو يوسوس لك أصحاب النفوس الضعيفة الذين يشككون العباد بالأمور الصالحات ويتلونون ألواناً ويشْكلون على المنافع الواضحة والأحكام الربانية الناصعة كما رأَينا؛ فتُستلَب منك النية المبرورة الصحيحة ويَفُتك كمال التوفيق باتباع غرورهم وغفلاتهم، نسأل الله لنا ولهم الهِداية والتوفيق.
فشَمِّر أيها العزيز عن ساعد الجد لفلاحك، واجهد جهدك بحصد الدرجات السرمدية ورفيع المقامات الروحانية، وانغمِرْ في شعور عباديتها بصفة الصالحين الطيبين، والأبرار المقرَّبين، جعلنا الله وإياك منهم يوم الحسرة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
ويا حبذا لو يَقوم جماعة من المؤمنين العاملين والخلَّص المجدِّين مبادرين بالخير على نظامٍ وقواعد في جمع هذه الصدقة الكبيرة الجليلة، وعمل قوائم يدوِّن فيها المصلون صلاة العيد معلومات من يعرفونهم من المحتاجين بشكل سري موقور، ومن ثم النشْر الفاعل والسريع للزكاة في كل منطقة على ذويها الظاهر أمرهم، والخافي سرهم بالتعفف {لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أَغْنِياء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيماهُمْ لا يَسْأَلُونَ النّاسَ إلْحَافاً وما تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فإنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٧٣]؛ فهنالك الكثير ممن عَضَّتهم أضراس الفاقة ينتظرون سغب كظّتِهم وسدة الرمق وشفاء السقم ورفْع الغائلة بما فَرَضَ الله -تقدست أسماؤه- لهم من الفريضة الواجبة التي إليك فيما يلي بعضاً من أهم أحكامها بما يُحتاج إليه عادة بين غالبية المؤمنين:
حُكم الفطرة وشروطُه:
– تجب الفطرة على كل مكلف إذا تحققت فيه الشروط التالية:-
١- الحياة ليلة العيد. ٢- البلوغ. ٣- العقل وعدم الإغماء طوال ليلة العيد. ٤- الغنى.
المراد بالغنى:
– ويراد بالغنى هنا عدم الفقر، والفقير في الفقه هو من لا يملك قوت سنة، لا الآن ولا في المستقبل، فالذي لا يملك قوت سنته الآن ولا بفعل الشغل مستقبلياً بأن كان لا يستطيع الاسترزاق؛ فهو فقير.
إذاً يشترط أن لا يكون فقيراً، ومن باب أولى المسكين؛ فالمسكين أشد حالاً من الفقير؛ لأن المسكين هو الذي لا يملك قوت يومه لا قوت سنته فقط؛ لذا لا تجب الفطرة عليه.
وقت الشروط:
– ويكفي في هذه الشروط أن تتحقق بعد الغروب من ليلة العيد ما دام وقت الفطرة باقياً كما سيأتي بيان وقتها.
النية:
– ولأن الفطرة زكاة وعبادة؛ لذا يجب فيها قصد القربة لله تعالى وحده لا شريك له ولا نظير.
العيلولة:
أ- الغير بالغ:
– وبالنسبة للغير بالغ ومَن يـَعُولهم الأب من الأبناء وما شاكل؛ فهؤلاء يجب على نفس معيلهم -وهو الأب كما في المثال- أن يَدفع زكاة الفطرة عنهم.
ب- المُعال المسافِر والكبير:
– ولو كان الولد الذي يعيله الأب مسافراً أو يدرس في الخارج، أو كان الولد كبيراً مثلاً؛ فيجب على مُعِيله أن يخرج الفطرة عنه ما دام معيلاً له.
ج- الضيف:
– لكن لا يجب أداء الفطرة عن الضيف إذا لم يكن في نظر العرف أنه ممن يعيله مُضَـيِّـفه، سواء نزل ضيفاً عنده قبل ليلة العيد أو بعدها؛ كالسباك والحَدّاد مثلاً لو استأجرهما للعمل في بيته ليلة العيد.
نعم؛ إذا عُدَّ الضيف عرفاً ممن يَعوله الـمُضَيِّف؛ فهنا يجب دفع الفطرة من المضيِّف عن ذلك الضيف؛ تماماً كما لو نزل عند شخص ضيف في ليلة العيد قبل المغرب من ليلة العيد أو بعد المغرب فبقي عنده بعنوان الضيافة، لا بعنوانه أنه فقط جاء للإفطار معه ثم الذهاب، ولا بعنوان أنه مثلاً صديقه وفي بعض الليالي أو في كل ليلة يجيء للإفطار معه ثم الذهاب؛ فهذا المقدار لا يكفي في صِدْق الضيافة.
د- الغني المُعال للفقير:
– الغني إذا مَن يعيله فقير؛ فإنّ فطرته يجب هو أن يدفعها عن نفسه إذا تحققت فيه باقي الشرائط السابقة -وهي العقل والبلوغ- ؛ فالغني في هذه الحالة يجب عليه أن يـَدفع الفطرة عن نفسه ولا يكفي -على الأحوط وجوباً- أن يدفعها عنه ذلك الفقير الذي يَعوله؛ تماماً كما لو كانت البنت غنية وأبوها فقير مثلاً.
ف- الخادم:
– السائق والخادم والخادمة، إذا كانوا ممن يَعولهم المكلَّف؛ فيجب عليه أن يَدفع فطرتهم هو، حتى لو لم يكونوا مسْلمين، بخلاف ما لو لم يكونوا ممن يَعوله؛ إذ لا يجب دفع فطرة من ليسوا تحت إعالته؛ فالعبرة بالمُعِيل، بل هنالك أيضاً من المذاهب الإسلامية من أوجبها مثلاً على حتى الكافر إذا أعال مسلماً كما أفتى به الشافعي.
و- الجنين:
– لا تجب الفطرة عن الجنين.
نعم؛ يجوز الدفع عنه بنية مطْلَقة أو بقصد الأمر المندوب؛ كقصد الصدقة؛ فالصدقة مندوبة -مستحبة- وفي الحديث الشريف الصدقة لا يَعدوها البلاء، فيستحب الدفع عن الجنين بهذا العنوان المشروع، لا بعنوان زكاة الفطرة، وإلا لم يجز ذلك؛ لأنه لم يرد فيه تشريع باتفاق جميع مذاهب المسلمين، والحال أن الأحكام الشرعية في مِثل هذا (توقيفية)؛ أي متوقفة على صدور التشريع من الشارع المقدس.
مسألة (في الجنود واللجان الشعبية) :
إذا كان هنالك جنود يعملون على حراسة الناس والثكنات تبعاً للدولة أو بتبرع لجاني شعبي وشخصي ..؛ فهؤلاء من الذي يدفع زكاتهم؟
ج/: إذا كان هنالك مُعيل لهم؛ ففطرتهم على من يعيلهم كالأب وما شاكل وفق التفصيل المتقدم، وأما إذا كانوا هم من يعيلون أنفسهم؛ ففطرتهم هم من يدفعونها عن أنفسهم.
مسألة (في الخطيبة) :
فطرة الخطيبة على من؟ على خاطبها؟
ج/: إذا كانت الخطيبة تعيش في بيت أبيها وهو من يُعِيْلُها؛ ففطرتها على أبيها؛ فمجرَّد العقد لا يَتّحِد مع العيلولة في مثل هذه الحالة، بخلاف ما لو كان زوجها هو من يعيلها؛ ففطرتها تكون عليه، وأما لو كانت المخطوبة هي من تعيل نفسها بنفسها؛ ففطرتها هي التي تدفعها عن نفسها.
مسألة (في الزوجة الموظَّفة) :
إذا كانت الزوجة لديها مال وتعمل في وظيفة تتقاضى منها راتباً؛ ففطرتها عليها أم على زوجها؟
ج/: فطرتها على زوجها بالقوامة التي له عليها وبالنفقة التي لها عليه ..، فمجرَّد كونها موظفة وتحصل على راتب ولديها مال؛ فهذا لا يسقط عيلولتها على زوجها في الحالات الاعتيادية ..
ونفس الأمر فيما لو كانت موظفة ولكن كانت معالة لأبيها؛ ففطرتها على أبيها إذا لم يكن فقيراً ..
وبعبارة موجَزة: فطرتها على من يعولها ليلة العيد.
مسألة (في الأطفال بعد الطلاق) :
على من تكون نفقة الأطفال بعد الطلاق؟
ج/: تكون على من يتسلَّم زمام الحضانة شرعاً، الذي تكون عليه النفقة.
مسألة (فيمن توفي زوجها) :
المتوفى زوجها وهي مقتدرة وتعيل أطفالهما؛ فهل عليها دفع الفطرة عنهم؟
ج/: نعم.
مسألة (في المصابين والمرضى) :
– فطرة المصابين والمرضى الذين يرقدون في المستشفى ويتكفل المستشفى أكلهم وشربهم ومقر نومهم …، فطرتهم على من تكون؟
ج/: فطرتهم كما سبق؛ على من يعيلهم وهو الأب ولي الأمر إن كانوا معالين له، وإلا فالزوج فيما لو كانت امرأة، وإلا ففطرتهم على أنفسهم إن كانوا يعيلون أنفسهم بأنفسهم ..
مسألة (في الأداء تبرعاً) :
لو مثلاً أدى الصديق المقتدِر الفطرة عن صديقه المقتدِر تبرعاً وتكرماً منه وإكراماً له، أو كان المعال مقتدراً وأدى عن نفسه بدلاً عن المُعيل له الحائز على شرائط الوجوب؛ فهل يفي ذلك بالتكليف ويسقط الواجب؟
ج/: نعم؛ يفي بشرط تمليكه الفطرة أولاً ثم دفْعها عنه بنية الفطرة بإذنه بعد التمليك. لذا لو أيضاً مثلاً كان الولد مستقلاً وليس معالاً لأبيه؛ فلا يجزي الدفع عنه من الأب إلا بالتمليك أولاً ثم دفع الفطرة عنه بإذنه.
مسألة (في الأيتام) :
إذا كان هنالك أيتام ولديهم إرث ولكن يعيشون مع وليهم ويأكلون ويشربون معه في بيته؛ فهل يجب عليهم فطرة؟
ج/: كلا؛ لا فطرة عليهم. علماً أن اليتيم يتحقق فيه اليُتم شرعاً إلى سن البلوغ، فإذا بلغ؛ فلا يسمى يتيماً شرعاً.
بل لا يجب حتى على الولي أن يدفع الفطرة عنهم، ولو دفعها عنهم تبرعاً منه؛ فلا تعتبر بعنوانها فطرة أساساً.
لو لم يؤدِّ المعيل عن المُعال:
– وأما بالنسبة للذي فطرته على غيره؛ كالأبناء الذين لا زالوا تحت إعالة أبيهم، وكالضيف؛ فهؤلاء لو لم يَقُم المعِيل بتأدية الفطرة الواجبة عليه عنهم؛ فهنا اختلف الفقهاء رضوان الله عنهم؛ فهناك من أفتى بعدم وجوب الدفع عن نفسه إذا تحققت فيه الشرائط السابقة؛ كالسيد الخوئي والشيخ الوحيد حيث أفتيا بسقوطها ودفعها عن النفس على الأحوط استحباباً، وكذا السيد علي الخمنائي أفتى بعدم وجوب دفعها عن نفسه، بينما أفتى جماعة أخرى من الفقهاء رضوان الله عنهم بالوجوب -احتياطاً- على كل واحد منهم أن يؤدي الفطرة عن نفسه إذا لم يؤدها المُعيل (عصياناً أو نسياناً)، بشرط أن تتحقق في المعال الشرائط السابقة، وهي:
الحياة، والعقل، والبلوغ، وعدم الفقر. وإلا إذا لم تجتمع الشرائط في شخص منهم؛ فإنه لا تجب الفطرة على هذا الشخص بعد عصيان أو نسيان معيله الذي لم يَدفع فطرته عن قدرة ووعي؛ ومن هؤلاء الفقهاء السيد السيستاني والسيد المدرسي وغيرهما، بينما ذهب الشيخ زين الدين إلى وجوب الاحتياط بإخراج الفطرة عن النفس في هذه الحالة إذا كان المعال غنياً، وذهب السيد الحكيم لوجوب دفعها عن النفس على الأحوط وجوباً حال كون المعيل لم يؤدها عن (عصيان أو نسيان أو جهل).
فطرة غير الهاشمي على الهاشمي:
– ولا تحل فطرة غير الهاشمي على الهاشمي؛ لأنّ الفطرة نحوُ صدقةٍ، وقد حرَّم الله ذلك على نبيه الأعظم وآل النبي صلى الله عليه وآله بِرّاً به تكريماً وتشريفاً وتعظيماً باتفاق الفقهاء؛ جزاء فضله العظيم صلى الله عليه وآله على الناس بل على الوجود كافة كما قررناه في محله.
والعِبرة في ذلك بحال نفس معطي الفطرة، وليس العِبرة بعياله؛ فمثلاً لو كانت زوجته هاشمية وهو ليس هاشمياً، فالفطرة التي يدفعها عن زوجته لا تحل للهاشمي؛ لأن المُعيل ليس هاشمياً في هذه الصورة؛ أما لو كان هو هاشمياً وزوجته غير هاشمية؛ فهنا يجوز دفع الفطرة للهاشمي؛ لأن نفس المُعيل الدافع هاشميٌّ.
المقدار:
– مقدار الفطرة الواجبة هو (صاع)؛ أي 4 أَمْدُد، أو 3 كيلو غرام.
هذا وفْق فتوى أغلب الفقهاء رفع الله أقدارهم؛ كالسيد الخوئي والسيد السيستاني والسيد الخمنائي ..، بينما هنالك من الفقهاء من أفتى بأكثر من ذلك؛ كالسيد محمد سعيد الحكيم مثلاً، حيث يذهب إلى أن المقدار 3 كيلو غرام و480 غرام.
أجناس الفطرة وشرطُها:
– ويجب أن تكون الفطرة من الغذاء الشائع لأهل البلد؛ كالطحين والزبيب والتمر وما شابه؛ فكل بلد بحسب ما هو شائع فيه من الغذاء.
– دفْعُ القيمة بدل المأكول:
ويجوز دفع القيمة بدل ذلك أيضاً.
– ويجب -على الأحوط- أن لا يخرج الفطرة من الطعام الرديء، لكن يكفي إخراجها من الطعام المتوسط، والأحسن إخراجها من أفضل الطاعم عند إخراجها طعاماً.
ولا يجب إخراج الفطرة من نفس طعام البيت، بل يكفي أن يشتري الطعام ويدفعه.
حُكم الفقير وكيفية إخراجه الفطرة:
– ويستحب للفقير إخراج الفطرة عنه وعمن يَعوله، فإن لم يجد غير (صاع) جاز له أن يعطي ذلك الصاع عن نفسه لأحد أفراد عائلته، وهذا الفرد من العائلة يعطي بدوره ذلك الصاع إلى فرد ثاني من العائلة نفسها، والثاني يعطيه فرداً ثالثاً من نفس العائلة، والثالث يعطيه الرابع، وهكذا يَفعل جميعهم حتى يصل الصاع إلى الأخير منهم، ثم يقوم هذا الأخير بإعطاء ذلك الصاع إلى فقير غيرهم من خارج العائلة.
ولا يجب الترتيب هنا في تناقل الصاع بينهم بأن يكون تناقلاً من الولد الكبير إلى الولد الصغير،، أو العكس، كلا؛ فتكفي أي طريقة يتداولون بها ذلك الصاع. فهذه الطريقة مستحبة للفقير لأنه لا تجب عليه الفطرة بسبب فقره وسقوط شرط الغنى.
وقت الفطرة:
– وأما وقت وجوب الفطرة؛ فتجب قبل صلاة العيد -على المشهور بين الفقهاء- بمجرَّد دخول ليلة العيد، هذا مَبدأ (الوجوب)، لكن من حيث الجواز فيجوز له إخراجها قبل ذلك، فله أن إخراجها بدخول شهر رمضان المبارك، وإن كان المستحب عدم تسليمها للفقير .. قبل مجيء ليلة العيد.
ويمتد له الوقت إلى صلاة العيد لمن يريد أن يصلي الصلاة، وأما من لم يصلِ الصلاة فيمتد وجوب الفطرة له إلى الزوال؛ أي إلى أذان صلاة الظهر.
لكن إذا حل وقت الأداء وانتهى وهو لم يؤدها؛ فيجب عليه حينئذٍ المبادرة لدفعها بعد الوقت بالنية المطْلَقة؛ أي دون قصد الأداء أو القضاء.
حُكم صلاة العيد:
وبالنسبة لصلاة العيد فهي غير واجبة في زمن غَيبة الإمام المعصوم عليه الصلاة والسلام، لكنها مستحبة ومؤكَّد على استحبابها في الشريعة وثوابها عظيم لا ينبغي للمؤمن الزهد فيه؛ فهي تطهر الروح وتنير باطن العبد وتبارك له في عيده كما أن لها آداب وعنايات ومعنويات إلهية خاصة لا تُدرَك إلا بإدراكها خصوصاً عند أدائها جماعة، ولو في جماعة قليلة في البيت.
في العَزْل:
– وتتعين الفطرة بعزلها، فلا يجوز التصرف بها بعد عزلها. فلو عصى وتصرف بها؛ فيجب عليه أن يَدفع عوض ما أخذه منها؛ نعم لو عزل مقداراً يزيد على الواجب فله أن يَسترجـِع الزائد من ذلك المقدار المعزول مع مراعاة التفصيل من المسألة التالية:
مسألة (في بعض صور الاختلاط والاشتراك المالي) :
لو كانت فطرته مثلاً ثلاثون ريالاً، فدفع ورقة مالية من فئة الخمسين ريالاً، فهل يجوز له استرجاع الباقي في ظل عزله الثلاثين من ضِمْنِ الخمسين وقد اشترك مال الزكاة بماله المتبقي؟
ج/: نعم؛ يجوز له استرجاع ذلك بدفع الخمسين ثم أخذ المتبقي من المستحِق إذا سلَّمه الفطرة مباشرة، أو من الحاكم الشرعي إذا كان تسليمه له، أو من وكيله المُخَوَّل، فلا يفك الاشتراك إلا بذلك.
المسؤول الذي تسلَّم إليه:
– ولأن الفطرة زكاة شرعية خاصة، ولأن الزكاة الشرعية يجب دفعها للثقة الأمين العارف بأحكام الدِّين وموارد صرْفِها والذي يَتصِف بالقَيّوم والمدبِّر للأمور الشرعية؛ رعايةً للضبط وانتساق النظام العام ومعاش المعوزين والضعفاء. ولأن أموال الزكاة أيضاً من مختصات وظائف الإمام الإلهي؛ لذا وجب دفْعها لوكيل الإمام المعصوم بالوكالة العامة في غَيبة المعصوم عليه الصلاة والسلام بما يحمله الوكيل من الصفات المذكورة، أو مَن يُعَيّنهم وكيل الإمام العام من الوكلاء والعمال الصلحاء الثقاة. أو أن يقوم المتعلِّق به واجب الدفع بالتصدي -في خصوص هذا الأمر- بنفسه شخصياً مباشرة بتسليم الحق الذي عليه للمستحِق؛ وهو الفقير وفقاً للبيان الآتي، أو تسليم الزكاة لمن يَثق به ليوصلها لمستحقها حسبما أفتى به أجلاّء العلماء كافة.
مسألة (في الدفع للمراجع ووكلاء المراجع) :
إذا كنت مقلِّداً لمرجع معَيَّن؛ فهل يجوز لي تسليم زكاة الفطرة لمرجع آخر أو لوكيل مرجع ليست لديه وكالة من مرجعي؟
ج/: المَناط هنا هو الوثوق بأن الذي تسلمها إليه يوصلها للفقير المستحِق، سواء كان مرجعاً أم وكيلاً أم شخصاً ليست لديه وكالة أم أنت بنفسك أوصلتها للفقير.
مسألة (في الوكيل المستنفِع بمال الله لمكانته) :
إذا كنتُ أَعلم بأن الوكيل شخص متثاقل عن العمل أو يَستعمل الزكاة لتعصباته أو علاقاته الخاصة أو تصفية خلافاته الشخصية بالضرر أو مَصالحه المقامية أو بخيلاً أو يذل الفقير عندما يعطيه حقه الشرعي أو يذل جمعيات البِر ويساومهم لأغراضه الذاتية أو عدم وجود كفاءة لديه في ذلك بسوء تدبيره أو تفرُّده حال الحاجة الماسة لجهةِ مال وتوزيعه في وجوهه بالعاجل؛ فهل يجزي دفعي الزكاة لهذا الوكيل وتبرأ ذمتي؟
ج/: كلا؛ لا يجزي ذلك عند الفقهاء حتى لو كانت لديه وكالة من مرجعٍ عادلٍ ما وهو يَفعل ذلك دون علمه، بل ويجب إبلاغ المرجع بأمره.
موارد الصَّرف:
– تُقدّم الفطرة للفقير.
والأحوط وجوباً عدم إخراجها للبلد الآخر أو المحلة في حال وجود المستحق، لكن إذا فعل ذلك وتلفت في حال إيصالها للفقير الذي خارج المنطقة؛ فإنه يَغْرَمها.
ويستحب تقديمها لفقراء الأرحام والجيران وتقديمهم على سائر الفقراء الآخرين، وينبغي تقديم العالم وصاحب الدِّين من الأرحام والجيران على غيره من أولئك الأرحام والجيران، فالمتدين منهم مقدم على غير المتدين.
أما شارب الخمر، والمتجاهر بالفسق؛ كالمتجاهر باستماع الغناء أو المتجاهرة بالتبرُّج أو المتجاهرة بشكل من أشكال الاختلاط المحرَّم أو من يستعمل الإنترنت أو الدُّش -الستلايت/المحوره- بشكل محرَّم ..؛ فلا يجوز شرعاً إعطاء زكاة الفطرة لهم، اللهم إلا أن يكون ذلك سبباً في إصلاحهم؛ فيجب أخذ الإذن حينها من الحاكم الشريعي أو وكيله المخَوَّل لدفع الزكاة للفقراء منهم، وكذا الحال في تارك الصلاة لا يحوز إعطاء الفطرة له على الأحوط وجوباً.
مسألة (في جَلْط اللحية) :
شخص فقير يحلق لحيته، وحلْقُ اللحية حرام؛ فهل يجوز دفع الفطرة إليه؟
ج/: حلق اللحية حرام عند جملة من الفقهاء؛ بالتالي من لا يُحَرِّم ذلك فيجوز عنده دفع الفطرة للفقير الذي يحلقها، وأما من يحرِّم ذلك كالسيد السيستاني مثلاً فلا يَمنع عنده عن ذلك إذا احتمل كونه معذوراً في حلق لحيته؛ فالسيد السيستاني حفظه الله يفتي بأن مجرَّد حلق اللحية لا يَمنع عن دفع الزكاة للفقير الفاعل لذلك حال وجود ولو مجرَّد احتمال بكونه معذوراً. علماً أن الأعذار كثيرة؛ منها: تقليده لمرجع يجوّز ذلك، أو وجود مرض جسدي لديه لا تدري به، أو تَحقُّق حرج شخصي خاص ..؛ بالتالي فإنّ مجرَّد حلق اللحية ليس مانعاً عن دفع الفطرة إليه مادام فقيراً لا يرتكب كبائر الذنوب. ويبقى هو عليه أن يراقب نيته أمام الله تعالى في علة حلقه للحيته؛ فالله تقدَّست أسماؤه علاّم الغيوب؛ يَعلم السِّرَّ وأخفى من السر، والملأ الأعلى يرانا، والله ولي نعمتنا ومقادير كل أمورنا؛ فيجب الإخلاص إليه في أعمالنا وعدم الجرأة عليه سبحانه.
كما ينبغي للعبد المؤمن أن يحتاط بما فيه خيره، ويَترفع تَرفُّع الشَّهم الفطين والعاقل الحكيم متجاوِزاً التوافه الفانية والغايات الدَّنيّة؛ فيستحب له -إذا لم يكن له عذرٌ وجيهٌ أمام الله- أن يَتجنب حلق اللحية حتى لو كان يقلِّد مرجعاً يجوِّز ذلك؛ فإنّ أحكام الله عز وجل هي نتاج ملاكات واقعية مصالحها ومنافعها ومفاسدها ومضارها تعود على العبد نفسه؛ فتشريعها إنما لاستقامةِ أمرِه وكماله وسعادته، ليس لله من ذلك نفع، تعالى الغني الرؤوف الجواد الحكيم.
مسألة (في المشاريع الخيرية) :
هل يجوز صرف الفطرة في الموارد الخيرية أم تختص بالفقراء ويجب تسليمها لهم؟
ج/: اختلف الفقهاء رضوان الله عنهم في المسألة؛ فمنهم مَن جوز ذلك كالشيخ التبريزي رحمه الله مثلاً، ومنهم من أفتى على الأحوط وجوباً بلزوم دفعها للفقراء واختصاصها بهم كالسيد السيستاني مثلاً.
مسألة (في إخراج الفطرة لفقير أحوج) :
إذا كان يوجَد في البلد فقراء، ولكن يوجَد في خارج البلد فقراء من بلدان أخرى أحوج؛ فهل يجوز إخراجها من البلد لذلك الفقير الأحوج؟
ج/: كلا؛ لا يجوز على الأحوط وجوباً؛ ففقير البلد أَولى بمال زكاة أهل بلده، وذاك الذي في الخارج أولى بأموال زكاة أهل بلده. وله حال عدم وجود منفِق، سواء عدم إنفاق المكلفين وعصيانهم أو استهتار الحكومة بحقوق رعاياها والمواطنين أو غير ذلك؛ فللفقير ابتداءً أو بعد ذلك أن يراجِع الوكلاء أو الحاكم الشرعي مباشرة لأخذ المال من بيت المسلمين الذي هو حق شرعي له من الله تبارك وتعالى.
مسألة (في الفقير الوافد) :
لو كان في بلدي فقير جاء من خارج البلد؛ فهل يجوز لي تقديم الفطرة إليه؟
ج/: نعم؛ يجوز ذلك حتى لو كان قد جاء للبلد بغرض الاستعطاء.
مسألة (في إعطاء الفطرة لفقراء مَحليين ذهبوا في سفر) :
إذا كان هنالك فقراء من المنطقة ولكنهم مسافرون لغرض ما؛ فهل يجوز عزل الزكاة لهم إلى حين عودتهم؟ علماً أن ذلك يستلزم تأخر إيصالها لهم عن وقتها المذكور في عنوان وقت زكاة الفطرة. وكذا كيف تكون طريقة العَزْل المَخارج الشرعية في هذه الحالة؟
ج/: يجوز.
وكيفية ذلك يمكن أن نصف لها طريقتين بسيطتين:
الطريقة الأولى: تكون بحيث يتم أخذ وكالة منهم بقبض الفطرة عنهم، ثم عزْلها لهم إلى حين عودتهم وتسليمها إليهم.
الطريقة الثانية: تكون بحيث يتم الاقتراض منهم ومن ثم دفْع المقترَض إليهم بنية الفطرة، فإذا عادوا يسدَّد لهم القرض المقترَض منهم.
كما يجوز أيضاً قبض فطرة الغير لهم بالوكالة منهم أو بطريقة الاقتراض.
وكذا يجوز العزل في الوقت، ثم الانتظار لتسليمها لذلك (الفقير المعَيَّن) المراد دفعها له.
مسألة (في المغترِب الذي لا يجد مستحقاً):
في حال كون المكلَّف يعيش في خارج البلاد الإسلامية، ولم يكن هنالك فقير مسلم؛ فماذا يفعل في هذه الحالة من حيث إيصال الفطرة للمستحق؟
ج:/ يستطيع إيصالها للمستحق في بلده بتحويل المبلغ أو بالتوكيل أو الاقتراض في البلد له ..
مسألة (في كيفية إيصال الفطرة في وقتها لفقراء المناطق البعيدة) :
إذا لم يكن هنالك محتاج للفطرة في المنطقة، وكان الفقير الذي سنقوم بالتصدي لدفعها له بأنفسنا بلده بعيدة؛ فكيف نوصلها له قبل انتهاء وقت أدائها؟
ج/: يمكن إيصالها إليه بطريقة الوكالة أو الاقتراض كما تقدَّم؛ أي بحيث تأخذ منه وكالة بالقبض عنه ثم تسليمها إليه حين الالتقاء به.
أو أن يتم الاقتراض من شخص يقدر على تسليم الفطرة لذلك الفقير ليقوم بإيصالها إليه بنية الفطرة.
وإذا تعذر التواصل لأخذ الوكالة أو الاقتراض ولم يكن هنالك فقير معَيَّن بباله في ذلك البلد الآخر يراد إيصالها له؛ فتأخذ الإجازة لذلك من الحاكم الشرعي أو وكيله المُخَوَّل، فإذا لم يستجيز في هذه الصورة وتلفت الفطرة؛ فيَغْرمها.
مسألة (في احتساب الفطرة من القرض السابق) :
لو كان لي قرض عند أحد الفقراء، فهل يجوز لي احتساب الفطرة منه بحيث أقوم باستيفاء القرض بذلك بدلاً عن الدفع الحالي إليه؟
ج/: نعم؛ يجوز؛ تنوي ذلك وتخبره بالأمر أداءً.
مسألة (في من لا يخمس) :
الذي لا يخمس هل يكفيه دفع الفطرة ليسقط وجوب زكاة الفطرة عن ذمته؟
ج/: الذي يعصي الله تعالى بمنع الفقراء من حقوقهم وبمنع حق الإمام أرواحنا فداه من الوصول إليه والعياذ بالله؛ فهذا يتوجب عليه أولاً أن يتق الله تعالى قبل أن يَسلب منه النِّعَم وينزل به النّقَم؛ فالخمس مالُ الله سبحانه وأمانةٌ في يد العبد، جعله الله عز وجل على ستة وجوهٍ مجموعها في قِسمين:
قسم للإمام عليه الصلاة والسلام، وهو يُصرف في المصالح العامة للناس من بناء المساجد ومصارفها ودُور الخير والتعليم …، وقسم للفقرء والمحتاجين من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا مَنع الحق عن أهله فأصاب واحداً منهم العوز والأذى بسبب الفقر أو تعطل مصرف مسجد أو جمعية خيرية … بفعل اغتصابه لمال الإمام سلام الله عليه ومال ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وأكْلِه هذا الحرام السُّحت؛ فإنه لا يَفلت من غضب الله أبداً في بدنه وأهله .. وعاقبته إلى سوء وتوفيقه مقتور؛ لذا يجب تخميس المال ودفعه لوجوهه من المحتاجين أو المتصدين الأكفاء الثقاة المتقين؛ فإذا كان الأمر أيها العزيز عند الله إلى هذا الحد؛ فكيف يقر للممتنع عن دفْع الحق قرار أو يهجع مستريحاً في منام؟!
فعلى من وجب عليه الخمس أن يتق الله بغض النظر عن الفطرة، ولكن لو كان كلا ولابد وأَصر على استدامة هذه المعصية الكبرى والجريرة العظمى بمنع النبي وأهل بيته والمسلمين عن حق الله، وأراد إبراء ذمته فقط عن زكاة الفطرة؛ فيمكن أن نصف له إبراء الذمة عن الفطرة بأحد طريقين:
الأول: أن يدفعها من مال جديد غير ماله الذي يجري فيه حق الله بالخمس؛ بمعنى أن يدفع زكاة فطرته من غير مال سنينه الخُمسية الماضية، وإنما من ماله الحادث الذي اكتسبه … مؤخراً ولم يمضِ عليه سنة ولم يتعلق به الخمس بعدُ.
الثاني: أن يخمس خصوص المال الذي سيدفع منه الفطرة بمقدار مالي يفي بدفع مقدار الفطرة التي عليه؛ ذلك لأنه لو لم يخمس هذا المقدار؛ فإنه يكون دفع من المال المختلط بالحرام المغصوب؛ والحال أن المقَرِّبية من الله تعالى لا تحصل بذات المبَعِّدية؛ إذ لا يمكن التقرب لله عز وجل -بزكاة الفطرة- بما هو في الأساس مبَعِّد عنه وهو المال المغصوب والمال المختلط بالحرام. نسأل الله لنا ولكم العافية.
هذا؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله والصلاة والسلام على المصطفى من خلقه وآله الميامين.
عيدكم سعيد، أعاده الله علينا وعليكم باليُمن والبركة، وكل عام وأنتم بخير.
أسألكم الدعاء لذنوب أخيكم العاصي وجرائره.
أمين السعيدي – القطيف
[box title=””]ملاحظة:
هذه الأحكام التي ذكرها سماحة السيد هي على طبق فتاوى المرجع الديني السيد علي السيستاني دام ظله، وذلك نظراً لغلبة التقليد له في المنطقة، إلا ما بيَّنه سماحته من التفاصيل فيما ذكره من فتاوى بعض المراجع العظام في بعض هذه المسائل. نسأل الله لنا ولكم التوفيق – قسم التوعية والإعلام في جماعة أنبياء أولي العزم(ع)[/box]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا