وجوب كون النبي افضل اهل زمانه● السائل:النبي يجب أن يكون أفضل أهل زمانه؛ لقبح تفضيل المفضول على الفاضل عقلاً و سمعاً ) كما جاء في كتاب الباب الحادي عشر للعلامة الحلي المتوفي سنة 726ه…فما ذا تقولون فيه؟
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحسنتم وأجدتم غفر الله لكم، وما نقلتموه عن العلامة الحلي عليه رحمة الله هو قول “أكثر العلماء”، فالعلامة رحمه الله وغيره قائلٌ بهذا الأصل، وهو وجوب كون النبي أفضل أهل زمانه، إلا أن نظره هو وغيره من العلماء –ممن قال بذلك- إنما ناظر إلى الحالة الأولية، لا الحالة الثانوية، فالحالة الأولية تقتضي قبح تقديم المفضول على الفاضل، أما الحالة الثانوية فلا تقتضي ذلك، فمثلاً –كما قلنا في الجواب السابق- : لو تم تقديم الفاضل على الأفضل لحكمةٍ إلهيةٍ ما، وذلك من قبيل ما لو كانت الظروف المحيطة بالنبي الأفضل معقدة وتقتضي تعسر إيصال الهدى والدعوة، بينما كانت الظروف المحيطة بالنبي الفاضل–الأقل درجة من ذلك النبي- الموجود في نفس ذلك الزمان أقل تعقيداً، وكانت هذه الظروف تقتضي إيصال الهدى والرسالة بشكل أسهل وأسرع وبالمستوى المطلوب، فهنا –وفق تحكّم الظروف- لا يوجد قبح في بعث النبي الفاضل للناس وتقديمه على ذلك النبي الأفضل الموجود في زمانه، تبعاً إلى أن الحالة الثانوية –أي الظروف والمصلحة والحكمة- تقتضي تقديمه. إذن الأصل –قبح تقديم المفضول على الفاضل- ثابت بشكل أولي، لكنه في الحالات الثانوية يرتفع بسبب وجود الموانع؛ بمعنى أنه لو لم توجد موانع فحصل تقديم للمفضول على الفاضل؛ فهنا القبح يتحقق؛ أما إذا تحققت الموانع فحصل تقديم للفاضل على الأفضل بسبب تلك الموانع ولما تقتضيه الحكمة؛ فهنا القبح لا يتحقق؛ وكلام العلامة ومن قال بقوله إنما ناظر للحالة الأولية لا الحالة الثانوية. وعليه؛ قد يتحقق تقديم للفاضل على الأفضل بلا مشكلة، لا أن ذلك لا يحصل على الإطلاق كما قد يَتوهم البعض. بل واستَدل بعض العلماء بأدلة غير الدليلين اللذين ذكرتموهما في سؤالكم الكريم؛ إذ أن هنالك من استدل على ذلك 1- بالنقل –السماع- كدليل بقوله تعالى {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لَا يَهِدِّي إِلا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [ سورة يونس: 35]؛ 2- وبالعقل كدليل آخر، وفي دليل العقل هناك من ذكر له وجهاً وهناك من ذكر له وجهين؛ الأول منهما (قبح تقديم المفضول على الفاضل)، والثاني (بطلان الترجيح بلا مرجح)، إلا أن روح الوجهين تعود إلى دليل واحد كما ترى. 3- وربما وجدتَ من استَدل على ذلك بالعرف كدليل ثالث. ثمَّ لا يَذهب عليك في ظل هذا أن الأصل المذكور استَدل به العلماء -أخذاً ورداً؛ قبولاً ورفضاً- في مبحث الإمامة أيضاً، فالبحث –قبح تقديم المفضول على الفاضل- شديد الأهمية، وله صلة كبيرة بإثبات الإمامة، ولم يَمر به عالم من العلماء ومتكلم من أكابر المتكلمين إلا وقف عنده ودلا بدلوه فيه. هذا وقد ذكرنا أعلاه أن “أكثر العلماء” يقول بأصل قبح تقديم المفضول على الفاضل وفق ما ذكرنا من أدلة، إلا أن بعض هذه الأدلة هنالك –في قِبال الأكثر- مَن رفَضها ولم يقبل بها وناقش فيها؛ تماماً كما نجد من البعض في رفضه للقبح العقلي المذكور في أن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلاً، حيث ناقش هذه القاعدة في مورد بحث الإمامة، وتقديم الخلفاء الثلاثة على علي بن أبي طالب عليهما أفضل الصلاة والسلام، أو تقديم عثمان عليه في ظل قول من قال بأفضلية أبي بكر من أساس، ثم أفضلية عمر من أساس، ثم أفضلية علي على عثمان، في قِبال القول بأفضلية أبي بكر ثم أفضلية عمر ثم تساوي عثمان وعلي -عليه الصلاة والسلام- في الفضل. وعلى كل حال؛ فمن الجلي الواضح ثبوت القاعدة (عقلاً وشرعاً وعرفاً) على المستوى الأولي، وإمكان ارتفاعها على المستوى الثانوي كما بينا أعلاه وكما حققناه مفصلاً في كتابٍ لنا مستقل؛ ومَن أنكر القاعدة على المستوى الأولي إنما أنكرها للفرار من الإقرار بوجوب أولوية الخلافة لعلي عليه الصلاة والسلام من طريق هذه القاعدة بعد اتجاه إثبات أولوية الخلافة له بها، إلا أن إثبات أولوية الخلافة له عليه الصلاة والسلام غير منحصر بهذا الدليل، إذ أن الأدلة الأخرى على ذلك كثيرة، فالدليل عليها لا يقف على هذا الأصل وحده ليَتم التخرص من أصلٍ واضح كهذا. نسألكم الدعاء السيد أمين السعيدي 16جمادى2 / 1433هـ قم المقدسة |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا