وصفة سلسة لإفراغ الذمة من التكليف العلمي
السلام عليكم ورحمة الله
سؤال لسماحة السيد أمين السعيدي جزاه الله عنا خيراً ورعاه.
سيدنا إنني امرأة كثيرة الانشغالات، مسؤوليات البيت، وأيضاً اُعِـين زوجي ببعض المشاريع التجارية في البيت كالخياطة مثلاً، وأريد أن اُخلي واُفرغ ذمتي من التكليف العلمي الدِّيني، علماً أن أمثالي من النساء والرجال كثيرون، بفعل ضغوطات الحياة ومشاغلها والظروف الصعبة، فبماذا تنصحنا؟
وهل بالإمكان أن تتكرم علينا بوصف برنامج علمي بيتي مرن لذلك؟
مع العلم أنني أقلد السيد السيستاني حفظه الله.
جواب سماحة السيد أمين:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله لنا ولكم بمولد جدنا النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وآله الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين ، وبعد..
إنّ ما تفضلتم به مشكلة عامة ومعاناة واسعة ، وعلاجها سهلٌ يسير ، يمكن أن يتحقق باتباع بضعة خطوات متوازنة وملتزمة ، مع ملاحظة أنّ الأخت السائلة لا تتحدث عن نفسها كشخص يريد أن يصير مجتهداً أو مرجعاً أو عالِماً متخصصاً ؛ فالخطوات هي كما يلي:
1- الاهتمام بأربعة مجالات علمية في البيت بلا حاجة لأستاذٍ خاص مع مراعاة باقي الخطوات ، وهذه المجالات العلمية الأربعة هي: النحو ، والفقه ، والتفسير ، والعقيدة.
ويمكن أن نصف لهذه الأربعة –مبدئياً- ثلاثة كتب أو أربعة ، هي:
أ- في النحو:
يكفي قراءة وإتقان كتابٍ للمستوى المبتدئ أو المتوسط ؛ من قبيل مثلاً كتاب (شرح الآجرومية) للشيخ محمد بن صالح العثيمين ، فهو كتاب جيد وسهل وسلسل ، ولا يحتاج لأستاذ ، ومتوفر في المكتبات العامة ، علماً أنّ علم النحو لا حساسية في تعلمه من أيِّ أحدٍ كان ، حتى لو كان مخالِفاً في المذهب كما هو واضح.
ب- في الفقه:
يكفي قراءة وإتقان رسالة عملية تستعرض المسائل الابتلائية بصورة واضحة وعبارات جلية ؛ من قبيل كتاب (الفتاوى الميسرة) للمرجع الديني السيد علي السيستاني حفظه الله ، باعتبار أنّ السائلة تقلده ، فمن يقلد غيره يـَـتــَّـبع البديل.
الكتاب –الفتاوى الميسرة- مجلد واحد بصورة قصصية وسؤال وجواب.
ج- في التفسير:
يكفي قراءة دورة تفسيرية للقرآن الكريم ، بحيث تتسم بالسلاسة والسهولة ، من قبيل كتاب (الأمثل في تفسير كتاب الله المُنزَل) للعَلَم الكبير الشيخ مكارم الشيرازي دام ظله الوارف ، فهو مجموعة مجلدات ، ثرية بالمعرفة.
فالقرآن الكريم بطبيعته يحوي العلوم ، ويختزِن لُباب وزبدة الحكمة والحياة ؛ مِن عِبَر التاريخ ، وقصص الأنبياء والأقوام والماضين ، والفقه ، والعقيدة ، والتربية ، والأخلاق والتهذيب وتزكية النفس وتطهيرها ، وبلوغ الإيمان ، وتحصين النفس من هلوسة الشيطان .. ، فلا كتاب كالقرآن.
د- في العقيدة:
يكفي قراءة وإتقان كتابٍ عَقَدي للمستوى المبتدئ أو المتوسط ، من قبيل كتاب (العقيدة الإسلامية) للعلامة المتبحر المحقق الشيخ جعفر السبحاني رعاه الله ، فهو مجلَّد واحد قَـيّـم على هذا المستوى ، وننصح به كثيراً ؛ لشموله لكثير من المطالب التي يحتاجها الإنسان في العقيدة ، وبساطة عبارته ، وسلاسة تنظيمه وترتيبه.
وأيضاً مطالعة كتاب (الغدير) للأميني رحمه الله ، ولو بصورة إجمالية ، أو الاستعاضة عنه بكتاب (ليالي بيشاور) لسلطان الواعظين السيد محمد الموسوي.
ثم إن شئت الاستزادة في مجال العقيدة بالمستوى ما بين المبتدئ والمتوسط ، فعليك بكتاب (بداية المعرفة) للشيخ حسن مكي العاملي ، فهو مجلَّد واحد ، لكن هذا الكتاب –بداية المعرفة- يحتاج لأستاذ ، وكما قلنا دراسته للاستزادة على مستوى العقيدة وتعميقها.
2- القراءة في هذه المجالات الأربعة يومياً بمقدار: ورقة–تقريباً- من كل كتاب ؛ فالمجموع اليومي أربع أوراق ، وكل شخص بحسبه.
3- إيجاد وقت خاص للقراءة ؛ كأوقات الصباح والهدوء ، فهي جيدة للاستيعاب ، وكل شخص بحسب حاله وظرفه ووقته الذي يناسبه ويتلاءم مع طبيعته.
4- الأفضل أن تكون القراءة هكذا: نحو ، ثم تفسير ، ثم عقيدة ، ثم فقه.
لكن ليس بالضرورة السير على هذا الترتيب ، فكل شخص كما يحب ، وحسبما يستلذ ، غايته أننا راعينا في الترتيب الحيثية العلمية نوعاً ما.
5- الكتب التي ذكرناها كتب عباراتها سهلة ، سلسلة وواضحة ، سريعة الهضم بالتدبر والتركيز ، ولا تحتاج لأستاذ عدا كتاب (بداية المعرفة) للعاملي كما أشرنا لمن يريد الاستزادة ، لكن قد –أحياناً- يجد القارئ في هذه الكتب حاجة لفهم بعض المطالب ، فلو حصل ووجد ذلك في بعض المطالب ؛ فعليه أن يكرر قراءة المطلب ، فمن الطبيعي أن يعيد القارئ قراءة المطلب مرة ومرتين وثلاث ، مع التركيز .
6- إذا صَعُب على القارئ فهم شيء معيَّن من هذه الكتب ، بعد التدبر والتركيز والمحاولات الشخصية ؛ فعليه أن يستفسر من أهل العلم ويطرح ذلك المطلب عليهم ليتعلمه ، خصوصاً وأن التواصل مع العلماء يُـكسِب الإنسان المعرفة والفضيلة وتحصنه من الخطأ ، فعن عليٍّ عليه الصلاة والسلام قال:
“مناقَشةُ العلماء تُـنْـتــِـجُ فوائدهم وتُــكْــسبُ فضائلهم”.
وقد جاء في وصية لقمان عليه الصلاة والسلام لابنه على طريق الحكمة:
“يا بني! جالسْ العلماء وزاحمهم بركبتَـيك”.
فما أكثر وسائل الاتصال في هذه الأيام ؛ من إنترنت ومواقع إلكترونية وغيرها.
7- العزم والإرادة ، وعدم الاندفاع الحماسي المؤقــَّت ، وعدم الإكثار من القراءة إذا كان القارئ يتحمس بدايةً ويتثاقل فيما بعد ويصيبه الخمول ، فالحذر الحذر من الشيطان ، فهو فطين ، ويرصد الإنسان في التعلم ، يجيء للعبد من حيث لا يعلم ، فربما قال للمتعلم وهو يقرأ بتلذذ في التفسير:
اقرأ أكثر من ورقة ، ثم إذا قرأ تَثاقلَ عن الاستمرار في قراءة ما بقي عليه من العقيدة والفقه مثلاً ، فيخمل ؛ فيكون خدعه الشيطان ، وجعله يقرأ في مجال واحد أو مجالين ، ومن ثم ربما جعله يتراجع كلياً شيئاً فشيئاً.
ومثلاً قد يقرأ القارئ في البدايات بحماس وهمة ، يقرأ من كل كتاب أكثر من ورقة ، وبعد أيام يجد أنه أَلزم نفسه بقراءة مقدار كبير يومياً ، فإذا أراد أن يفتح الكتب لقراءة مقدارٍ منها في اليوم الجديد وَسوسَ له الشيطان وذَكَّرَه بأنه سيقرأ من كل كتاب أربع ورقات مثلاً ، فيستكثر ذلك ، ويتثاقل ، فيتراجع ولا يقرأ شيئاً ؛ فيكون الشيطان خدعه بحماسه الذي كان لديه في البدايات كي يحطّم عزمه وإرادته في وسط الطريق.
لذا ؛ ننصح مَن حماستهم وقتية سريعة الذهاب ، أن لا يقرأ الشخص منهم أكثر مما ذكرنا ، فيكفي مقدار أربع أوراق يومياً ، من كل كتاب ورقة ، يقرأها بتلذذ وتركيز ؛ فكل شخص بحسبه ، فالمهم هو الإتقان لا كثرة طي الأوراق ، فما أكثر من رأيناهم طووا الأوراق فلم يثمر بهم نفع ، بل وصاروا للهَلاك والعياذ بالله.
♦ باتباع هذه الأمور نرى –حال كفاية العلماء- أنّ (ذمة العبد المنشغل) تَـفـْرغ من تكليفها العلمي الدِّيني إن شاء الله تعالى ، فاتباع هذه الأمور يجْزِء في نيل العلم بالحد اللازم على الجميع ، ويبقى على العبد العمل والاجتهاد في التطبيق شيئاً فشيئاً.
8- بعد الانتهاء من هذه الكتب ، يمكن للقارئ -إن أَحب- الاستمرار مثلاً بمطالعة الكتب الدينية والثقافية ، أو الترقي بالدراسة في المجالات الدينية بشكل معمق.
نسأل الله الهدى وأداء التكليف علماً وعملاً ، ومعرفة حكمة الوجود ، وبلوغ حقيقته ، وأن لا يغلبنا الشيطان الرجيم بالغفلة ، ويبلينا بالخسران.
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله الطيبين ، وعلى صحبه المنتجَبين.
أمين السعيدي
18ربيع الأول1435هـ – قم المقدسة
_________
في الرابط التالي أيضاً تجدون وصلة مباشرة لطرح أي سؤال لسماحة السيد أمين حفظه الله ، وسيصله بشكل شخصي مباشر دون وسائط:
نتمنى لكم دوام الفائدة ، ومزيداً من العلم والمعرفة.
محمد المحسن
د 19 ربیعالاول 1435ﻫ 20-1-2014م در ساعت 7:42 ق.ظلن أقول قيم فقط
وإنما اقول كلام ينكتب بماء الذهب والله
سلمتم جناب السيد الفاضل العزيز
أبو مرتضا السيهاتي
د 19 ربیعالاول 1435ﻫ 20-1-2014م در ساعت 7:58 ق.ظالسلام عليكم والرحمة
صباح الخير
أوافق الأخ محمد المحسن فيما قال
بل فوق ماء الذهب هناك الذهب
أحسنتم بارك الله بكم ونفعنا بكم
أبو مرتضا
غدير الأحمد
د 19 ربیعالاول 1435ﻫ 20-1-2014م در ساعت 6:40 ب.ظكل عام وأنتم بخير
متباركين بالمولد
شكراً لكم سيدنا أمين على هذه الكلمات العلمية العميقة الدالة على وعي وعمق وفهم واسع
كم كنا نترقب مثل هذه الاجوبة التي تعالج مشكلة من اكبر مشكلات الحياة والاخرة
لما قرأت ما كتبتم وجدت ضالتي بحق
شكراً جزيلاً لكم ورزقكم الله خير الدنيا والاخرة
باسل القطري
س 20 ربیعالاول 1435ﻫ 21-1-2014م در ساعت 3:12 ب.ظالسلام عليكم
سيدنا الكريم بالنسبة للمتغربين في بلاد أوروبية بماذا تنصحهم للقراءة في الفقه؟ علماً انني شخص بسيط واقلد السيد علي السيستاني حفظه الله
شكراً لكم سماحة السيد العزيز
باسل القطري
جماعة أنبياء ألي العزم
س 20 ربیعالاول 1435ﻫ 21-1-2014م در ساعت 6:47 ب.ظبسم الله الرحمن الرحيم
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
غفر الله لنا ولكم أخي العزيز باسل ، وبارك الله للجميع بالمولد المبارك لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
سؤال مهم وقيم ، وجوابه هو إنّ الرسالة العملية تتضمن بعض المسائل الابتلائية المتعلقة بالمغتربين في البلدان الغربية ، لكن مسائل المغتربين متفرقة في أبواب الرسالة بحيث يتعسر على مُراجعها العثور على كثيرٍ منها.
وبالنسبة للمرجع الديني السيد السيستاني دام ظله فهناك كتاب فقه المغتربين ، تم جمعه وترتيبه وطباعته وتوزيعه في المكتبات العامة ، وهو كتاب جيد في هذا المجال لمقلديه ، فهو يحتوي على العديد من المسائل الابتلائية للمغتربين ، أرجو أن تجد فيه كل ما تحتاج إليه.
ونحن بخدمتكم أخي العزيز ، ولنا بذلك الشرف.
رعاك الله برعايته ، وحفظك بحمايته.
نسالكم الدعاء
أمين