وقفة مع نبذة موجَـزة عن (عِـلم الرِّجـال)●السّائل: السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .. بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم صل على محمد و آل محمد .. هل من الممكن أن نأخذ فكرة عن علم الرجال؟
●جواب سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله: بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نَعلَم أنّ كل حادثة بشريّة إنسانيّة وما شابه، حتّى تصل للأجيال اللاحقة الّتي لم تعشها، لابد من توفّر وسيلة لنقل ذلك إليها وإخبارها بها وروايته لها. كذا الأمر بالنّسبة للحوادث الإلهيّة والشّرائع السّماويّة، فهي تأتي في عصر وتنزل على قوم معيّنين بحسب الظروف الجغرافية وزمان مجيء تلك الحادثة الإلهيّة وتلك الرّسالة وطبيعة الحال، ثمَّ يتم تدوينها وحكايتها ونقلها لمن لم يكن حاضراً في ذلك الحدث بشخصه المباشر. ومَن يَنقل هذه الحوادث الإلهيّة والشّرائع وما فيها من قوانين يطْلَق عليهم مسمّى “رواة”؛ لأنهم يروون شيئاً ويخبرون عنه، فهم رواة وخبرهم رواية. وعلم الرّجال هو علم يختص ببيان “أحوال هؤلاء الرّواة”، سواء كان الرّاوي امرأة أم رجلاً. وقد عرّفه البعض بأنّه: علم يُبحث فيه عن أحوال الرّواة من حيث اتّصافهم بشرائط قبول أخبارهم وعدم قبول أخبارهم. وهذه الشرائط الحاكمة على قَبول خبر الرّاوي وعدم قَبول خبره هي من قبيل كونه صادقاً في النّقل أم لا، ومعرفة المحيطين به على أنه لا يكذب أم لا، وكذا من قبيل وصول توثيق له ممّن عاش معه أم لا، إذ قد يكون الرّاوي مجهولاً لم يصل له تعريف عن شخصه وأخلاقه ومعتقَـداته وما شاكل، فلا يُعْرَف هل هو من الصّادقين أم الكاذبين، بل هل كان له وجودٌ أم هو شخصيّة وهميّة. وكذا هذه الشّرائط من قبيل إمكان الاعتماد على خبر الرّاوي وعدم إمكان الاعتماد عليه، حتّى لو كان صادقاً، فالرّاوي قد يكون صادقاً لكنّه كثير النّسيان أو ضعيف الفهم أو …؛ فلا يُـعتمد على خبره عند عدم وجود ما يَدعم صحّة نقله. فـ”الصّدق والكذب” من أهم محاور هذا العلم تجاه أحوال الرّواة، فالرّاوي للخبر الشّرعي عن النّبي الآتي بالشّريعية صلّى الله عليه وآله وعن أهل بيته أفضل عليهم الصّلاة والسّلام قد يكون سنيّاً أو زيدياً أو إسماعيلياً أو واقفياً وما شاكل، ومع ذلك يتم قَبول خبره والعمل بروايته وفق القواعد المقرَّرة، فليس بالضرورة أن يكون الرّاوي شيعياً حتّى يتم الأخذ بالخبر، وإنّما الصّدق –مثلاً- هو الرّكن الأكبر في الأخذ به. وكذا قد يكون الرّاوي شيعيّاً ومع ذلك لا يؤخذ بخبره فيما إذا عرف عنه الكذب مثلاً، أو خالف خبره كتاب الله سبحانه وما شاكل. فالغاية الرّئيسيّة المهمّة في هذا العلم هي التّعرّف على أحوال الرّواة من جهة كونهم عدولاً أو غير عدولٍ –أي شيعة أم غير شيعة؛ حيث يُستعمَل لفظ “العادل” في هذا العلم كمصطلح لذلك-، ثقاة أم غير ثقاة –أي صادقين أم لا-، مهْمَلين أو مجهولين و.. وكذا الاطّلاع على أزمانهم وأعصارهم وفي أي طبقة من الرّواة عاشوا، حتّى يُـعــْـرف الحديث المرسل بلا سند والحديث المسند المتَّصِل الواصل للنّبي أو أهل بيته عليهم أفضل الصّلاة والسّلام، إلى غير ذلك من الأمور. وكذا يبحث فيه حول ألفاظ الرجاليين -علماء الرجال- ومقاصدها وتعارضاتها .. هذا ومن أبرز علماء الرجال عندنا والعمدة في التوثيق للسابقين: الشيخ الكشّي وله كتاب رجال الكشي، والشيخ النجاشي المتوفى سنة ٤٥٠هـ وله كتاب رجال النجاشي، والشيخ الطوسي المتوفّى سنة ٤٦٠هـ وله كتابان، والشيخ منتجب الدين ابن بابويه المولود سنة ٥٠٤هـ وكان حيّاً إلى سنة ٥٨٥هـ حيث أَلَّف فهرساً في تراجم الرواة والعلماء المتأخّرين عن الشيخ الطوسي، الشيخ رشيد الدين ابن شهر آشوب المتوفّى سنة ٥٨٨هـ وله كتاب مَعالِم العلماء، وبعده العلاّمة الحلّي المتوفّى سنة ٧٢٦هـ وله كتاب الخلاصة، والشيخ تقي الدين الحسن بن داوود المولود سنة ٦٤٧هـ وله كتاب رجال ابن داوود، والشيخ الكليني المتوفى سنة ٣٢٨هـ على مبنى إفادة عبارته في مقدمة كتابه الكافي بتوثيق الرجال الذين أسند إليه أخبار الكتاب، والشيخ القمي رحمه الله كذلك بدعوى رجال تفسير القمي … علماً أن العمدة الذين هم أصحاب الأُصول لعلم الرجال والتراجم لدى الشيعة هم الثلاثة الأكابر: وهناك كتب رجالية أخرى أُلِّفت في الأزمنة القريبة؛ منها: الشيخ الكشي والشيخ النجاشي والشيخ الطوسي قدس الله أسرارهم. كتاب مَنهجِ المَقَال للشيخ محمد الأسترابادي المتوفى سنة ١٠٢٠هـ، وكتاب إتقان المَقال للشيخ محمد طه نجف المتوفى سنة ١٣٢٣هـ، وكتاب الذريعة الكبير لآقا بزرك الطهراني المعروف، وكتاب الرجال الكبير للشيخ عبد الله المامقاني وهو من علماء القرن الرابع عشر الهجري، وكتاب السيد أبي القاسم الخوئي المعروف المتوفى مؤخَّراً، رحمهم الله جميعاً ورفع مقاماتهم لديه، وغير ذلك من الكتب والموسوعات الرجالية المستحدَثة في تنظيمها وترتيبها واستعراضها آراء أصحابها وبحوثهم العلمية في هذا المضمار. هذا؛ وينبغي الالتفات إلى أن هنالك علم رجال وعلم دِراية، وكل منهما غير الآخر، وإن كان مصبهما يستهدف بالنتيجة تنقيح الحديث، كما أن البعض يجعلهما في مدوَّن واحد بعنوان علم الرجال والدِّراية؛ فعلم الرجال كما قلنا يَبحث في صفات الرجال وأحوالهم فكتب علم الرجال تشتمل على أسماء رواة الحديث وتذكر كل راوٍ باسمه وصفاته، فهو استقرائي وعلم شهادة كالعلوم النقلية، بينما علم الدراية فهو علم يختص بنقد الحديث ويُذكر فيه النُّظم العامة والقواعد الكُلّية لمعرفة الأحاديث الصحيحة وتمييزها عن غيرها. وقد دوَّن فيه العلماء الكثير من الكتب؛ منها مثلاً: كتاب البِداية في علم الدراية للشيخ زين الدين بن علي العاملي المتوفى سنة ٩٦٦هـ، والوَجيزة للشيخ البهائي العاملي المتوفى سنة ١٠٣٢هـ، وشرح الوجِيزَة للسيد حسن الصدر وهو من علماء القرن الرابع عشر الهجري، ومِقياس الهِداية للشيخ عبد الله المامقاني، وكتاب الدراية للشيخ السبحاني وهو من العلماء المعاصرين وله كتاب كليات في علم الرجال، أثابهم الله ووفق الجميع لخدمة الدين، وغير ذلك من كتب نقد الحديث. هذه نبذة موجَزة عن مفهوم هذا العلم وبعض ما يُبحث فيه. السيد امين السعيدي |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا