بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآله محمد
تلتقي بكم مؤسَّسة أنبياء أولي العزم (ع) مبارِكة في “العشرون من جمادى الثانية” مع ذكرى عاطرة أفرحت قلب سيد الخلق محمد(ص)؛ هي ولادة ابنته سيدة النساء ومخدومة ملائكة السماء فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
وإذا كنا نريد أن نَجري على ما جرى عليه الناس من التقاليد، بأن جعلوا لكل عنوان من العناوين الحيّة في الواقع الإنساني يوماً معيناً -وهذا ما تنبّه له الإمام الخميني(قده) عندما أقترح اعتبار يوم مولدها يوماً للمرأة الزهرائية في العالم- فأفضل يوم نجعله عنواناً للمرأة الزهرائية المسلمة هو يوم ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(ع) بعنوانه ميلاداً وبوصلة لها وقدوة تقتدى، فإننا نجد في الزهراء(ع) الإنسانية العليا والمَثل والنموذج للإنسان عموماً ولكل مسلم خصوصاً، سواء في حياتها العامة وشؤون أمومتها -فهي ملجأ أمومي للنساء والرجال في حياتها وبعد مماتها- أو في حياتها الخاصة كزوجة وكمربية خرَّجت للمجتمع أفضل الأولاد من أول الدنيا إلى آخرها…
فاطمة الجميلة المتواضعة:-
كثيراً ما نسمع بأن (الفتاة الجميلة) تكون بلهاء جوفاء خالية من الأخلاق، تطيش بغرورها على زوجها ومن حولها من الفتيات والأقارب، وإن كانت نزيلة النَسب ومن أسرة دنيئة السمعة، فهي تَسحق جمالها بفعل غرورها، فيذهب ما فيها من جواذب فتصبح بلا أدنى قيمة!
لكننا…
لم نسمع يوماً بأن فاطمة (ع) تكبرت أو أصابها العجب والغرور بالرغم من شدة جمالها وعظيم أوصافها، ورغم شرفِ حسبها ونسبها وكون أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من لا يجهل قدره أحد، فهي على رغم جمالها الفتان -كما يذكر المؤرخون نظراً لمشابهتها لابيها (ص)- ورغم موقعها الشامخ وكونها من الهاشميات بنات أشراف مكة وسادة العرب وأقمار الرجال والنساء، إلا أنها كانت متواضعة جداً، سواء في أخلاقها، وملابسها، وحياتها اليومية، وتعاملها مع زوجها، وتصرفاتها مع نساء قريتها ونساء الأمة، وما شاكل ذلك؛ فمثلاً:
كانت لها شملة عباءة قد خَـيَّـطت ’’أثنى عشر’’ مكاناً منها بسعف النخل.
وكانت تطحن بالرحى بيدها حتى مجلت!
وكانت -وهي ابنة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم مخدومة جبرائيل وميكائيل- مطيعة لزوجها طاعة تامة، كما لم تكن تثقل عليه بالطلبات أبداً، وترضى منه باليسير من المال والطعام؛ لذلك قال عنها علي(ع) الذي لا ينطق إلا بالصدق وهو مقْـسمٌ بالله تعالى:
(فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، و”لا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً”، و”لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان”)[بحار الأنوار، للمجلسي: ج43 صـ134].
قال: لم تغضبه يوماً، ولم تعصه أبداً، بل وكان ما أن ينظر لجمالها إلا انكشفت عنه الهموم والأحزان؛ أما تلك الفتاة المغرورة فما أن ينظر لها زوجها إلا نفرت نفسه منها، وتقهقر من دناءة خلقها وتكبرها، فهي متعالية بلهاء رغم أنها ستصير للقبر وديدانه!
فمِـثل هذه الفتاة هل يا تُرى مؤهلة لأن تحفظ حياتها وسعادتها عن الضياع؟ بل هل هي صالحة للإنجاب والتربية؟! فالتي هكذا مستوى تفكيرها، وهكذا حدود فهمها، هل يمكن لها أن تنتج للمجتمع أولاداً صلحاء؟ أم أنّ فاقد الصفات العالية لا يعطي إلا الصفات الدانية؟
نعم؛ جميلٌ أن تكون المرأة مغرورةً على الرجال الأجانب، مترفعةً عنهم، مجافية لهم؛ لكن هذا جميلٌ في كل امرأة لا في الجميلة من النساء فحسب، بينما أصبحت هذه القيمة تمارسها الفتانة من النساء على عكس ما تتضمنه من مبادئ عظيمة، إذ قد تجدها سافرة متبرجة مع الرجال الأجانب تسعى لإظهار بريقها وجمالها وبسمتها لجذبهم لها، بينما هي في الجانب الآخر مع زوجها والنساء وأقرانها وأقاربها من محارمها متعجرفة متدنية تمجها الأذواق، ولا تهضمها النفوس.
فاطمة عليها آلاف التحية والسلام تقول لعليٍّ عليها أفضل الصلاة والسلام عند آخر لحظات حياتها:
(هل عصيتك يوماً؟ هل أغضبتك يوماً؟)! وتلك الفتاة الأنيقة المغرورة يليق بها أن تسأل زوجها ومن حولها: هل أرضيتكم يوماً؟ هل سررت قلوبكم يوماً؟!
فهل أمثالها أخذت من الزهراء عليها الصلاة والسلام شيئاً؟ فهي تدعي أن الزهراء قدوتها، فما الذي فهمته من الزهراء وما الذي أخذته منها؟ وما الذي اقتدت فيه بها؟!
والسؤال المهم هو:
لماذا كانت تلك الفتاة الجميلة الطاهرة -فاطمة عليها السلام- بهذه القمة من التواضع؟ لماذا لم تكن رغم جمالها وحسبها ونسبها ليست فتاةً متكبرةً مغرورة لدرجة أن نساء المهاجرين والأنصار كن يلتفن حولها؟ ولدرجة أن زوجها كان يشعر بالسعادة عند النظر لها؟ لماذا؟
لا شك لأنها كانت تعي الحياة جيداً، وتعي معنى ’’الجمال والحب’’ بشكل صحيح، وتدرك بأن جمال الظاهر بلا جمال الصفات والسجايا ليس بجمال، وإنما سقوط وانحلال، وأن الحب بالترفع على المقابــِل ليس إلا شكلاً من أشكال المساوَمة والظهور، ففاطمة عليها السلام كانت تعيش الآخرة في قلبها وعقلها، وكانت تعيش الدنيا بوعيها وجمالها ظهراً وبطناً من جميع الجهات، فلم يكن للدنيا نصيب في فاطمة، بل كان لها النصيب في الدنيا حينما فهمتْها بشكلٍ سليم، فسخـَّـرتْ كل إمكانياتها الروحية والجسدية في المسار الصحيح.
نسأل الله أن يَـمن على الجميع بالفهم والعافية، وأن يجعل من الزهراء صلوات الله وسلامه عليها قدوةً حقيقية فاعلة في حياتنا ومختلف شؤوننا.
تقبلوا تحيات وتبريكات كافة أعضاء مؤسَّسة أنبياء أولي العزم “ع” جعلها الله علينا وعليكم مناسبةً سعيدة مليئة بالأفراح العطرة والمسرات المفـْـرِحة
((اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك وأنزلت في كتابك))
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا