【المكث الطويل وكثرة الرسائل】:
الإصلاح في العلاقة بين المسلمين【أفعال أهل البيت(ع)】.
•مقالة سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
مِن ضِمن البراهين الكثيرة في أقوال أمير المؤمنين (ع) حول حِفظ جماعة المسْلمين وتقوية أواصرهم ، أنه في 【حرب الجَمَل】 أكثرَ من إرسال الرسل والرسائل لطلحة و الزبير اللذان كانا من قادة الجيش المقابِل ، كما أنه (ع) مَـكَثَ طويلاً وانتظر ؛ عسى القوم يرجعون إلى الحق والصواب ، ولم يحاربهم إلا بعد أن بدأوه بالقتال ، وجَـيَّشوا له الجيوش في 【البصرة】 ، وحملوا عليه الناس ، وساروا لحربه وقتلِ المسلمين.
فعندما اعتدوا ، ويئس (ع) من إنابتهم للرشاد والحق ؛ قاتلهم بالسيف ، وتَـرَكَ 【الكلمة والمناصَحة】 بعد أن حاول جاهداً أن لا يصير لطريقٍ غير 【طريق الكلمة】.
فهو (ع) رغم علمه بأن أصحاب الجمل كانوا على باطل ، ورغم نكثهم لبيهتهم إياه بعد أن بايعوه في 【المدينة】 ، وبعد أن أجبروه على قَبول البيعة ، إلا أنه (ع) رغم ذلك كان مُصراً على الحوار والهدي بـ【الكلمة】 ، ولو لا أنهم سلوا السيف لما سلَّه ، واقتصر على تطبيق أحكام القصاص والحدود في مستحقيها عملاً بأمر الله تعالى الواجب على خليفته.
●» قال أبو مَخْـنَـف في كتاب الجَمَل:
【أنّ علياً عليه السلام خَطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون البصرة ، فقال: أيها الناس! إنّ عائشة سارت إلى البصرة ، ومعها طلحة والزبير ، وكل منهما يرى الأمر -يعني الإمرة والخلافة- له دون صاحبه ؛ أما طلحة فابن عمها ، وأما الزبير فخـتْـنُها ، والله لو ظفروا بما أرادوا – ولن ينالوا ذلك أبداً – لَيــَـضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد. والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تَقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه ، حتى تورد نفسها ومَن معها موارد الهلكة. أي والله ليقتلن ثلثهم ، ولَـيــَـهربن ثلثهم ، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب ، وإنهما لَيــَـعلمان أنهما مخطئان. ورُبَّ عالمٍ قتله جهله ، ومعه علمه لا ينفعه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل! فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية.
أين المحتسِـبون؟ أين المؤمنون؟ مالي ولقريش! أما والله لقد قتلتهم كافرين ، ولَأقتلنهم مفتونين! وما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنّـا أدخلناها في حيزنا . والله لأبقرن الباطل ، حتى يظهر الحق من خاصرته ، فقل لقريش فلتَـضج ضجيجها. ثم نزل】.
●» فهو (ع) مع علمه بأنهم على خطأ وباطل ، وقد عاهده طلحة والزبير أن يكون خروجهما لمكة للعبادة لا لشيء آخر ، رغم أنهما متَّهَمان بقتل عثمان ، ورغم أنه (ع) لم يضـيِّق عليهما بشيء وهما عنده في المدينة آمنَين ، تحت رعايته ،
كما أنهما أخرجا واليه على البصرة (عثمان بن حنيف) ، ونكلوا به ، ونَـتَفوا شعر رأسه ولحيته كله ، وقَتلوا جماعة كانت معه ، واستولوا على بيت مال البصرة وخراجها ، وقتلوا جماعة من المؤمنين بغير ذنب اقترفوه ،
فكانت دموعه (ع) تذرف من أفعال أصحاب الجمل ، وكان يحرق قلبه إخراجهم زوجة رسول الله (ص) معهم ، وهي امرأةٌ أمرها الله بالتزام بيتها مع بقية زوجاته (ص) ، كما خَطط الزبير لاغتياله ؛ فعن عمرة مولى الزبير قال: 【لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير: ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي ؟ فإما بيته وإما صبحته ، لَعَلي أقتله …】! لكنه (ع) صبر طويلاً والحق له ، وبــَـعث بالرسل للنصيحة والهدي كما سيأتيك.
كلُّ هذا إن دل على شيء ، فإنما يدل على إصراره (ع) في الحفاظ على وحدة الجماعة ، وتلاحمها ، وتماسك المسلمين ، واستقامة العلاقة بينهم ، وأنها من الضرورات الدينية ، وكذا العقلية.
السيد أمين السعيدي
14محرم الحرام1435هـ – قم
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا