صيغةالجمع في آية (إنما وليكم الله …)
● السائل:
قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ذهب البعض الى أن هذه الآيه في كلمة (الذبن أمنوا) لا تعني الإمام عليه السلام فقط والدليل عندهم أن الكلمة بصيغة الجمع لاإفراد
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اُسعِدتم وبوركتم بهذه الأيام المباركة..
نعم؛ الآية تكلمت بصيغة الجمع، لكن هنالك دلالتان تدلان على أنها نزلت في عليٍ عليه الصلاة والسلام، وأنها مختصة به وحده، وهما:
الدلالة الأولى:-
إن اللغة العربية تجيز التحدث عن المفرد بصيغة الجمع، بل ويرى العرب أن ذلك من التكريم والتشريف للشخص، بل واللغة العربية تجيز التحدث أيضاً عن المثنى بصيغة الجمع، كما أن كلا الأمرين وقعا في القرآن الكريم، وأكد المفسرون في مورد تفسير الآيات التي وقعت وفق ذلك على أن هذا من مسوغات اللغة وأنه من التشريف والترفيع والتكريم.
وهنا نضرب لكل واحد من الشكلين مثالاً من القرآن الكريم أو من السنة الشريفة وما تعارف بشياع كبير بين الناس، وذلك كما يلي:
1-بالنسبة لشكل مخاطبة الفرد بصيغة الجمع فكقوله صلى الله عليه وآله وسلم عند السلام على شخصٍ ولو كان ذلك الشخص لوحده: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وهذا كما نرى فنحن عندما ندخل على شخصٍ ما مثلاً فإننا نقول له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فنخاطبه بصيغة الجمع، رغم أنه شخص واحد لا أكثر.
فهذا مثال ورد في السنة الشريفة وهو مثال لغوي وعرفي شائع لا يتأتى لأحد إنكاره بتاتاً، وهو يكفي في رد الشبهة عن الآية وعن مورد نزولها في علي عليه الصلاة والسلام وإن كانت بصيغة الجمع، بل في صيغة الجمع دلاله معاكسة، كونها تدل على رفعة مقامه صلوات الله وسلامه عليه، وتشريف الله له بأعلا الخطاب والحديث عنه بأرقى البيان والتكريم، وإلا فإن الله لا يترفع من صيغة الإفراد إلى صيغة الجمع لهواً وعبثاً.
نعم؛ يوجد استثناء واحد فقط يمكن أن نشير له في هذه القاعدة اللغوية، وهو أنه لا يجوز عقلاً واعتقاداً مخاطبة الله الواحد الأحد بصيغة الجمع، فالقاعدة يستثنى منها هذا المورد فحسب؛ إذ لا يكون الخطاب فيه جائزاً بالجمع، كما أنه لا يكون فيه تكريم وتشريف ورفعة في حق المولى تقدست أسماؤه.
2-أما بالنسبة لشكل مخاطبة الفرد بصيغة الجمع فكقوله تعالى في محكم التنزيل: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 61]؛
ففي هذه الآية نلاحظة أن الله تعالى مثلاً تحدَّث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه أفضل الصلاة والسلام بصيغة الجمع رغم كونهما اثنين لم يحضر المباهلة مع نصارى نجران غيرهما، وكذا في قول الآية (أبناءنا)، فهي رغم قصدها للحسن والحسين عليهما الصلاة والسلام، إذ هما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن حضرا المباهلة، ومع ذلك تحدَّث القرآن عنهما بصيغة الجمع.
إن قلت:-
إنما قصدَت الآية بـ(أنفسنا): نفس النبي ونفس علي ونفس الزهراء ونفس الحسن ونفس الحسين، وهذه الأنفس أكثر من نفسين، أي مجموع، فالخطاب الجمعي في الآية ناظر لذلك، ومثله قول الآية (أبناءنا)، فمقصودها في الأبناء: الزهراء والحسن والحسين، فهم أبناء النبي، والثلاثة جمع، فخطاب الآية ناظر لذلك، فكيف تقولون بأن الآية هنا تخاطب المثنى بالجمع؟!
الجواب:ـ
طبعاً قبل الإجابة نشير إلى أن هذه مناقشة في المثال، وأنه هل يصلح أن يُضرَب كمثال للقاعدة الثابتة في اللغة القائلة بجواز مخاطبة المثنى بالجمع أم لا؟ فالمناقشة إذن في نفس المثال لا في أصل القاعدة، فالقاعدة ثابتة في اللغة لا محالة.
وهنا نجيب على هذا الإشكال الذي قد نضعه تجاه هذا المثال بما يلي:
لو كانت الآية تريد بأنفسنا وأبنائنا جميع الأبناء وجميع الأنفس الحاضرة في المباهلة للَزم من ذلك التكرار في الآية بذكر الأبناء والنساء مرة أخرى، في قولها (أبناءنا) و(نساءنا)؛ إذ يكفي حينها أن تقول (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) بلا حاجة لإضافة أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم كون أنفسنا يراد منها ذلك كله.
بل إن هذا التكرار لو حصل في الآية -تجلَّت عن ذلك- فهو تكرار شنيع لا يمكن صدوره من الحكيم جل جلاله؛ لأنه سيكون فيه تهافت وتعريض بالنبي وعلي معاً، وجعـْـل خصوصية للحسن والحسين والزهراء أرفع منهما، في حين أن النبي وعلي بلا شك هما أفضل من الزهراء والحسنين، والحال أن الخطاب صادر من المولى تبارك وتعالى، وهو عز ذكره لا يتحدث إلا بما هو دقيق في غاية الحقيقة والتمام.
أضف إليه أن علماء التفسير أشاروا إلى أن (أبناءنا) المقصود بها الحسن والحسين، و(نساءنا) المقصود بها الزهراء، و(أنفسنا) المقصود بها النبي وعلي عليهم أفضل الصلاة والسلام أجمعين.
إذن تم المطلوب؛ فالآية تصح كمثال على القاعدة الثابتة في خطاب المثنى بصيغة الجمع.
إن قلت:-
لربما الآية ابتدائية ناظرة لِما يمكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيء به من المسلمين في المباهلة، بلا حصر وبلا تعيين من الله تعالى في المباهلين الخمسة وحدهم، غاية الأمر أن النبي اختار هؤلاء فحسب كونه مخوّل بالاختيار؛ وبالتالي يكون خطاب الآية خطابٌ في الجمع من البداية لا في المثنى، غاية الأمر أنه عند مجيء حين المباهلة أحضر النبي نفسه وعلي والحسنين والزهراء عليهم أفضل الصلاة والسلام، فالآية نزلت أولاً، ثم النبي جاء بهؤلاء من أهل بيتهم من المسلمين مكتفياً بهم، فحصلت التثنية من جهة العمل والتطبيق، لا من جهة الآية؛ فالآية إذن لا تصلح كمثال لخطاب المثنى بالجمع، ولو بسبب الاحتمال؛ ومعلوم أنه “إذا وَرَدَ الاحتمال بطل الاستدلال”، فالاستدلال على القواعد يجب أن يقوم على اليقينيات لا على الظنون والمحتمَلات.
رده:-
إن هذا القول لو فرضنا له قائلاً فهو خطير يبعث على الخجل، ولا يمكن لأصغر وأبسط مسلم أو عاقل أن يقول به؛ ذلك لأنه يستلزم الطعن بصراحة متمادية في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تعالى عن ذلك؛ إذ يتضمن مخالفة صريحة منه لأوامر الله تبارك اسمه، فالله يقول له احضر عدداً يصل لحد صيغة الجمع فيقوم بإحضار أقل من ذلك بلا أي تقيد بأمر الله تعالى وبلا أي مبرر يقبله العقل أو الشرع!
فالنبي الذي لا ينطق عن الهوى الذي يقول عنه الله تعالى في كتابه الكريم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 إلى 47] كيف تتأتى له المخالفة؟! بل كيف ينصره الله، لا سيما في حادثة المباهلة، فالمفترض أن لا ينصره لأنه خرج عن أمره وعصى وتجاسر والعياذ بالله.
قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: 40].
لذا لم نرَ قائلاً من علماء المسلمين زعم هذا بتاتاً في حق الآية عند بيانها وتفسيرها؛ وبالتالي نجد أن المثال سليم من جميع الجهات لا خدشة فيه. هذا ويمكن أن نضيف مثال السلام كمثال آخر هنا؛ إذ يقع السلام على الشخصين بصيغة الجمع.
الدلالة الثانية:-
ما تقدم كان حول الدلالة الأولى من عدم المنع في كون الآية الكريمة نزلت مختصة بأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وإن كانت بصيغة الجمع؛ أما الدلالة الثانية على أنها نزلت فيه صلوات الله وسلامه عليه فهو نفس محتوى الآية، كونها تتحدث عن حدث خاص وصفة خاصة به صلوات الله وسلامه عليه،
كما أنها ذَكَرَت الولاية في عرض ولاية الله ورسوله، وهي ما ثبت بالدليل والبرهان القاطع بأنها لا تكون إلا لبيت الطهارة والعصمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما ثبت شرعاً جزماً قاطعاً بواقعة الغدير وغيرها من أحداث تنصيب النبي ليعلي المتكررة كما نصت وأكدت معتمَدات ومواثيق كتب المسلمين، بالإضافة إلى نفس هذه الآية حيث قَرنت الولاية لصاحب صفة خاصة مذكورة فيها، وهو ذلك الرجل الذي آتى الزكاة وهو راكع في حالة كونه يقيم صلاته، حيث قالت:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]؛بالولاية لله وللرسول، ولا معنى لأن نقول بأن كل من يتصدق وهو راكع في حالة إقامته لصلاته فهو ولينا تجب طاعته كطاعة الله وطاعة رسوله! وإلا لوقع الهرج والمرج وكان ولينا كل من هب ودب يركع ويزكي!
نسألكم الدعاء
السيد أمين السعيدي
4شعبان1433هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا