بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الدَّرس الفقهي الثّالث:-
* حديثُ العِلم:-
عن أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام قال: “العِلم أفضل من المال بسبعة: الأوَّل: أنَّه ميراثُ الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة، الثَّاني: العلم لا يَنقص بالنَّفَقة، والمال ينقص بها، الثَّالث: يحتاج المال إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه، الرَّابع: العلم يدخل في الكفن ويبقَى المال، الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن، السّادس: جميع النّاس يحتاجون إلى العالـِم في أمر دِينهم، ولا يحتاجون إلى صاحب المال، السَّابع: العلم يقوِّي الرَّجل على المرور على الصّراط والمال يمنعه”.
* بيانٌ: () العِلم لا ينقص بالنَّفَقة: وفي حديث آخر قال: العِلم يزكو على الإنفاق (أي يزيد عند إنفاقه) والمال تُنْقِصه النَّفَقة. () المال يحتاج للحافظ والعلم يحفظ صاحبه! فما الأفضل: الّذي هو يحفظك ويحرسك ويحميك أم الّذي أنت تحفظه وتخشَى عليه من السّارقِين والنَّقص وما شاكل فتكون له حارساً كما يحرس الكلب حوائج صاحبه؟ () العِلم لا يحصل إلا للمؤمن، أي العِلم الحقيقي الّذي يوجِد فيه الأثر والإيمان، لهذا هو مؤمن. () المال يمنع الرَّجل في مروره على الصّراط؛ فلأنَّ حِمله ثقيل، فقد ورد أنَّ المؤمن الفقير يدخل الجنّة قبل المؤمن الغَني، فيسأله الفقير: ما الّذي أَبطأَ بك عنَّا؟ فيقول الغني: أُبْتُليتُ بمالي وبالإجابة عنه، مِن أين كسبتُه، وكيف اكتسبتُه، وأين صرفتُه!
المَبحث الرَّابع: (الحَدَث والخَبَث):-
* انتهينا فيما سبق من باب الاجتهاد والتَّقليد، والآن ندخل في باب الطّهارة، وهو –في الجملة- من أبواب “العبادات” لا “المعامَلات والأمور التّوصّليّة”، حيث يُشترط في أغلب مسائله أن تقع بقصد ونيّة تَقرُّب لله تعالى.
* والطّهارة إنّما تجب لأمرين فيما إذا أصابا المكلَّف وعَرَضا عليه، وهما:
1- الحَدَث:-
ويراد به ما يصيب الإنسان من قذارة معنويَّة في باطنه بسبب إخراج الرّيح أو التّبوّل أو التّغوّط أو النّوم أو الجنابة أو الحيض أو النِّفاس أو الاستحاضة أو لمس الميِّت أو الموت…
* وهذه القذارة المعنويّة الباطنيّة تارة توجِب على المكلَّف الوضوء وتارة توجِب عليه الغُسل، فمثلاً إخراج الرّيح والتّبوّل والتّغوّط والنّوم حالات توجِب الوضوء (لهذا يُسمَّى “حَدَث أصغر”)، أمّا الجنابة والحيض والنِّفاس والموت فهي أمور توجِب الغُسل (لهذا يُسمَّى “حَدَث أكبر”).
2- الـخَبَث:-
ويراد به القذارة الخارجيّة الّتي تصيب جسم الإنسان وثيابه واحتياجاته وغير ذلك، كدم الإنسان وبوله وبرازه وريق الكلب والخمر وما شاكل من النّجاسات العينيّة الّتي تطرأ على الأجسام.
وهذه القذارة المادّيّة الخارجيّة الطّارئة ترتفع بغَسلها بالماء أو أحد المطهِّرات الآتية.
*لماذا قلتم أنَّ بعض الأمور الدّاخلة في باب الطّهارة ليست تعبّديّة، وإنّما تَوصّليّة لايُشترط فيها النّيّة؟
ج: لأنَّ تطهير الثّوب -مثلاً- عن الدّم النّجس لا يجب أن يقع مع النّيّة، فلو طهَّرَ شخصٌ ثوبَه المتنجِّس وهو نائم دون أن يدري، أو وضع شخص ثوبه بقرب البحر فالتقَى بمائِه دون أن يعلَم، أو نسي ثوبه في الغسّالة فَغَسله شخص آخر وهو لا يعلم بنجاسته، فإنَّ هذا الثّوب يُحكَم بطهارته رغم عدم قصد النّيّة أثناء تطهيره؛ لذا كانت هذه الحالة وأمثالها من الأمور التّوصّليّة لا التّعبّديّة برغم ارتباطها بباب الطّهارة.
* حسناً، وهل تجب الطّهارة عن هذه الأمور المذكورة بمجرَّد وقوعها؟
ج: كلا، لا تجب، فالمكلَّف في سعة من أمره، ولكن إذا أراد أن يَتعبَّد وجب عليه تحصيل الطّهارة؛ لأنَّ صحَّة العبادة مشروطة بطهارة الباطن من الجنابة والحيض والاستحاضة وغير ذلك من المعنويّات، وكذا الثّياب والبدن وغيرهما ممّا سيأتي، إذ يجب أن لا يكون في ذلك شيء من الخبائث والنّجاسات.
نعم؛ يستحب للمكلَّف أن يكون على طهارة باستمرار، ففي الخبر: مَن مات على وضوء مات شهيداً. بل وفي المسارعة للتّطهير حفظ للذّات من الأمراض وكذا من نسيان النّجاسة وانتشارها.
* المبحث الخامس: (الوضوء وما يَتركَّب منه):-
قلنا أنَّ الحدَث يرتفع بالوضوء أو الغُسل بحسب الحالة المعنويّة الواقعة في ذات الإنسان، والآن نريد أوَّلاً أن نبيِّن كيفيَّة الوضوء ثمَّ نبيِّن فيما بعد كيفيّة الغُسل؛ أمّا الوضوء فكيفيّته كما يلي:
غَسل الوجه، ثمَّ غَسل اليد اليمنى، ثمَّ غَسل اليد اليسرى، ثمَّ مسح الرَّأس، ثمَّ مسح القَدَم اليمنى، ثمَّ مسح القدم اليسرى.
1-الوجه:-
والحد الواجب غَسله من هذا العضو: من قصاص الشّعر –أي من منبته في بداية أعلا الجبهة- إلى الذِّقن، هذا بالنِّسبة لطول الوجه، أما عرضه فالواجب فيه هو مقدار ما دارت عليه الإبهام والوسطى؛ والإبهام هي الإصبع المنفرد في اليد عن بقيّة الأصابع، والوسطى هي أطول إصبع من أصابع اليد.
* يجب –على الأحوط وجوباً- أن يكون غَسل الوجه من أعلى إلى أسفل.
* هل يجب إيصال الماء عند غَسل الوجه إلى المنطقة الّتي يتجمَّع فيها ماء العين؟
ج: كلا، فهذا من البواطن، والبواطن لا يجب غَسلها، فمِثله مثل باطن الأنف والفم ومَطْبَق الشّفتين والعينين وثُقب الأنف في النّساء –وإن كان فيه حلقة للزِّينة- فهي أمور في منطقة الوجه، ولكن لا يجب غَسلها؛ كونها بواطن.
* الشَّعر النّابت في مكان داخل في حدود غَسل الوجه يكفي غَسل ظاهر هذا الشَّعر فقط، فلا يجب إيصال الماء إلى الشّعر المستور تحته، ولا إلى البشرة رغم دخول كل ذلك في حد الوجه، فمثلاً الّذي لحيته كثيفة يكفي فقط أن يغسل منها ظاهر شعرها ممّا هو داخل في حدود الوجه لا غير.
* ماذا عن الأصلع؟ هل يجب أن يغسل وجهه إلى أعلى صلعته؟
ج: كلا، فحالته والحالات المماثلة له –كمَن نَبَتَ شعر رأسه على جبهته أو صغُرَ كفّ يده من أصل خلقته- يجب في جميع ذلك مراعات المتعارَف فقط لا غير.
2- اليَدَان:-
الحد الواجب غَسله من هذا العضو: من الـمِرْفَق إلى أطراف الأصابع؛ والمرفَق هو مَـجْمَع عَظْمَي الذِّراع والعضد.
* أيضاً يجب أن يكون غَسل اليدين من أعلى إلى أسفل.
* هل يجب أن تصب المرأة الماء على يدها من منطقة ثني مرفق اليد، والرَّجل من جهة ظَهر اليد؟
ج: كلا، إنّما ذلك مستحب لا غير.
*عند غَسل اليمنَى هل يجب أخذ الماء بكفِّ هذه اليد ثمَّ وضْعه في كفِّ اليسرى ثمَّ صبّه على اليمنَى؟
ج: كلا لا يجب، وإنّما يستحب؛ فيجوز للمتوضّئ أن يأخذ الماء بكفِّ اليسرى مباشرة ويصبّه على اليمنى.
* أحكام مشتركة تخص أعضاء الغَسل:-
* لو وجِدَتْ شوكة في اليد مثلاً، فهل يجب إزالتها ليصح الغَسل؟
ج: كلا، لا يجب إذا لم تكن حاجبة لظاهر البشرة، فالّتي لا تحجب البشرة ويصل الماء حولها لا تجب إزالتها.
* إذا كان على الأعضاء بعض الأوساخ، وكانت لا تحجب وصول الماء إلى البشرة لم تجب إزالتها، وكذا كل ما كان معدوداً كجزء من البشرة، مثل بياض الطّباشير والـجَص ونحو ذلك.
* الشّقوق الوسيعة الّتي يسبّبها البرْد الشّديد وما شاكل، وكذا الجلد إذا تقشَّر أو ارتفع جزء منه على البشرة، فكل ذلك يكفي غسل ظاهره ولا يجب إيصال الماء إلى داخله وما تحته.
* تبصرة مهمّة:-
هناك بعض المؤمنِين عندما يغسل يده –مثلاً- يكتفي بسكب الماء عليها من المرفق إلى عضد الكف لا إلى أطراف الأصابع، بحيث لا يجري الماء على كفّه، ثم يقوم بتوزيع الماء على باقي أجزاء يده؛ فهذه الطّريقة باطلة.
والصّحيح: هو أن يَتم سكْب الماء على اليد بحيث يجري من المرفق إلى أطراف الأصابع، وهذا يحصل بسهولة عند تمييل اليد نحو الأسفل، إذ بمجرَّد صبّ الماء على المرفق نجده يسيل من أطراف الأصابع، ممّا يدل على جريان الماء، وبهذا يصدق مسمَّى الغَسل على جميع اليد، ثمَّ يقوم المكلَّف بتوزيع الماء على باقي أجزاء يده.
* هل هناك طرق أخرى للغَسل؟
ج: نعم، هناك عدّة طرق أخرى للغَسل، وهي مثل:
أ- رَمْسُ الوجه في الماء من أعلى إلى أسفل، أو رَمْس اليد من المرفق وإخراجها من الأصابع، كل ذلك بصورة خط منحني شيئاً ما؛ كي يتحقّق الغَسل من أعلى إلى أسفل ومراعاة الأعلى فالأعلى كما بيّنّا.
ب- وضع اليد -مثلاً- في الحنفيّة، بحيث يجري الماء عليها من أعلى إلى أسفل من خلال تحريك اليد تحت مائها من المرفق إلى أطراف الأصابع.
ج- الوضوء تحت ماء المطر حين نزوله، فيَقصد بجريانه على وجهه غَسل الوجه، وعلى يده غَسل اليد.
* هل يجوز سكب الماء عدَّة مرّات على أعضاء الغَسل؟
ج: نعم، يجوز، فللمكلَّف مثلاً أن يغرف غَرْفة من الماء بكفّه ويسكبها على يده من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمَّ يأخُذ غَرْفة ثانية ويسكبها كذلك، ثم يأخُذ غَرْفة ثالثة وهكذا، فينوي الغَرْفة الأخيرة على انّها للوضوء، فيصبّها على العضو، ثمَّ يتوقَّف عن الاغتراف ويقوم بتوزيع الماء على باقي أجزاء يده؛ نعم يشترط في هذا عدم الإخلال بالموالاة عرفاً من خلال الاستغراق كثيراً في تكرار الصَّب كما سيجيء.
3- الرَّأس:-
وكيفيّته هو
أن يمسح المكلَّف مقداراً من مقدّمة رأسه بما تبقَّى من بلَّة يده الباقية من ماء الوضوء.
* هل يجب في مسح الرَّأس أن يكون من أعلى إلى أسفل؟
ج: كلا، لا يجب، وإنّما يُستحَب ذلك.
* وكذا يُستحَب أن يكون المسح بثلاثة أصابع، وبباطن الكف وبنداوة الكف اليمنَى وإن كان يجوز باليسرى.
* هل يكفي المسح على الشَّعر أم لابدَّ أن يكون على البشرة؟
ج: نعم يكفي مسْح الشَّعر إن لم يكن مجموعاً بكامله فوق الرَّأس.
* وهل يجب مسح مقدار معيَّن من الرَّأس بحيث يكون من أعلاه الخلفي إلى بداية أعلى الجبهة مثلاً؟
ج: كلا، لا يجب المسح إلى الجبهة، بل يكفي القليل بحيث يَصْدق عليه عرفاً أنَّه مَسْحٌ، فمسْح ربع ممّا يلي الجبهة يجزي، نعم يستحب أن يكون بطول إصبع.
4- القَدَمان:-
والحد الواجب في مسح هذا العضو: من أطراف الأصابع إلى الكعب الّذي هو مفصل السّاق والقدم، هذا بالنّسبة لطول القدم، وأمّا عرضها فالواجب فيه مسمّاه ولو بمقدار قليل كما في مسح الرّأس.
* نعم يُستحَب أن يكون مسح القدم بكل الكف، ولكن يجب أن يكون بالبلل المتبقِّي في اليد.
* هل يجب المسح من أعلى إلى أسفل؟
ج: كلا، لا يجب، تماماً كما في مسح الرّأس، فللمكلَّف أن يمسح من أعلى لأسفل أو العكس.
* يجوز للمكلَّف أن يمسح قدمَيه معاً، وكذا يجوز أن يَـمسح قدمه اليمنى باليد اليسرى، وقدمه اليسرى باليد اليمنى.
* نعم يستحب مسح القدم اليمنى باليد اليمنى، واليسرى باليسرى، وتقديم القدم اليمنى على اليسرى.
* أحكام مشتركة تخص أعضاء المسح:-
*هل يجب
المسح على أعضاء المسح بخصوص باطن الكف أو أجزئها؟
ج: كلا، بل يجوز المسح بأي جزء من أجزاء اليد الواجب غَسلها، فلو مسح –مثلاً- بظاهر الكف لا بباطنها صحَّ ذلك، وكذا لو مسح بباطن الذِّراع وما شاكل صحَّ الوضوء ولا مشكلة، نعم يستحب -كما مر- المسح بباطن الكف، ومع تعذّره يستحب بظاهر الكف إن أمكن، وإلا بباطن الذِّراع، هذا من جهة الاستحباب لا غير.
* لو جفَّ ما على اليد من بلل لعذر، كأن كان جسده حارّاً متسخِّناً، أو كان يتوضّأ في مزرعته تحت حرارة الشّمس، أو في الهواء، وما شاكل، فإنَّه عندئذٍ يجوز له أن يأخذ من بلل لحيته، ويستحب أن يكون الأخذ من اللحية الدّاخلة في وجهه، وإن جاز الأخذ من المسترسل منها أيضاً، نعم لا يصح الأخذ من المسترسل الزّائد عن المعتاد.
س/: هل يجوز في مثل هذه الحالة الأخذ من الحواجب أو باقي الوجه مثلاً لا من اللحية؟
ج: لا يجوز -على الأحوط وجوباً- حتى للنِّساء رغم عدم وجود لحية لديهن، فالأخذ جائز من اللحية فقط.
* هل يجوز المسح على الجورب أو العمامة أو القبَّعة أو القناع أو الغِترة وما شاكل؟
ج: كلا، لا يجوز ولو كان الحائل رقيقاً، فهذا يجوز عند إخواننا السّنّة دوننا، نعم يجوز عندنا بفعل التّقيّة.
لذا –أيضاً- لو دار أمر التّقيَّة بين (الغَسل بلا مسح) و(المسح على الحائل) فإنَّ المكلَّف مخيَّر بين الأمرين.
ورد في الحديث: “التّقيَّة دِيني ودِين آبائي”، وفي حديث آخر: “مَن لا تقيَّةَ له لا دِين له”، وفي القرآن: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} الآية.
أحكام مشتركة بين أعضاء الغَسل وأعضاء المسح:-
*قاعدتنا:-
أ- الغَسل –دائماً- فيه تدقيق نوعاً ما، فهو –مثلاً- يجب فيه غَسل الأعضاء من أعلى إلى أسفل، وكذا يجب فيه التّرتيب بين اليدين (غَسل اليمنى ثمَّ اليسرى)، وهذا بخلاف المسح، إذ فيه تخفيف ومرونة، حيث يجوز في مسح الأعضاء أن يكون من أسفل لأعلى والعكس، وكذا يجوز مسح القَدَمين معاً.
ب- الغَسل والمسْح المطلوبَين من جهة الأعلى للأسفل والعكس -حسب المورد- هما: ما يصدق عليهما عرفاً أنّهما غَسل ومسْح، فلا حاجة للتّدقيق الفلسفي الشّديد، بمعنى أنّه لو رجعت اليد قليلاً للأعلى مثلاً في حال غَسل الوجه أو اليد؛ فهذا لا يبطل الوضوء إذا لم يصدق عليه عرفاً أنَّه غَسل من أسفل إلى أعلى، وما على المكلَّف إلا أن يرجِع ذلك المقدار في الأثناء بنيَّة الوضوء.
* إن وجِد حائل على أطراف الأظافر الطّويلة من أعلاها هل يبطل الوضوء؟
ج: كلا، لا يبطل، إذا كان الطُّول زائداً على المتعارَف.
* الماء المتطاير على الأعضاء أثناء الوضوء إذا لم يكن غالباً على ماء الغَسل في أعضاء الغَسل أو بلل اليد في أعضاء المسح؛ لم يبطل به الوضوء، فهو صحيح، وكذا المنتقل من الحنفيَّة لليد عند إغلاق صنبور الماء.
تنبيه!
هناك من يدع صنبور الماء مفتوحاً خلال ممارسته لأفعال الوضوء إمّا بفعل الإهمال أو بدعوى أنَّ ما في الحنفيَّة من ماء قد ينتقل بإغلاقها للأعضاء فيُبْطِل الوضوء، في حين أنَّ هذا العمل يُعتبر شكلاً من أشكال الإسراف المنهي عنه في الإسلام، فـ{الـمُبَذِّرِينَ –كما في الآية- كانوا إخوانَ الشَّياطِين} والعياذ بالله؛ لذا على المتوضّئ أن يحقِّق واقعيَّة الصّلاة الّتي يتوضّأ لها بانتهائه عن المنكَر، وعدم جعله الوضوء عاملاً لـمُآخاة الشّيطان والوقوع في البُعد عن الله بدل القرب منه، خصوصاً وأنَّ بقايا الماء في الحنفيَّة لا يَبطل بها الوضوء ما دام مُسْتَهْلَكاً في غَرْفَة اليد أو رطوبتها.
* البعض عند المسح على الرّأس يعمل على تنشيف الماء من شعره القريب من جبهته مـمّا أصابه عند غَسل وجهه، فهل هذا واجب في صحّة الوضوء؟ إذ يُشترط مسح القدم بما تبقَّى من بلَّة اليد لا برطوبة خارجيّة؟
ج: كلا، لا يجب ذلك في صحّة الوضوء، فقد قلنا يكفي المسْح بمقدار عرفي من الرّأس، ولا يجب الوصول للجبهة أو مقدّمة الرَّأس من الأمام، ثمَّ إنَّ الرّطوبة الموجودة في الشَّعر من ماء غَسل الوجه لو حصل اختلاطها برطوبة اليد، وكانت رطوبة اليد غالبة عليها لم يضر ذلك بصحّة الوضوء عند مسح القَدمين، إذ إنّما يـَخشَى المتوضّئ من كل هذا لأجل مسح القدمين برطوبة اليد الباقية فيها من ماء الوضوء، وعلى أيِّ حال فإنَّنا كثيراً ما نصف الطّريقة التّالية للمؤمنين مـمَّن هو كثير الخشية في هذا الأمر، وهي:
أن يمسح رأسه بإصبعين مثلاً أو إصبع، ويمسح قدمه بشيء من الأصابع الباقية الَّتي لم يمسح بها رأسه من تلك اليد، وبهذا يكون -حتَّى وإن مَسَحَ رأسَه إلى جبهته واختلط الماء الباقي في شعره برطوبة يده وكان أكثر منها- قد تخلَّص من الوقوع فيما يريد الفرار منه؛ هذا وقد سبق انّه يجوز المسح بأيِّ جزءٍ من اليد ممّا تلا المرفق إلى الأصابع.
* يجب الغَسل أو المسح بمقدار زائد في أعضاء الغَسل أو أعضاء المسح إذا لم يحصل اليقين بتحقيق الواجب إلا بذلك، وهذا ما يسمَّى بـ”المقدِّمة العِلميَّة”، إذ بها يحصل العلم بامتثال المطلوب.
* باقي أجزاء الوضوء ممّا لم نذكره هو من المستحبَّات، كغَسل الكفَّين والمضمضة والاستنشاق، وغَسل اليد اليمنى مرَّة أخرى غير المرَّة الواجبة.
نعم في ذلك فوائد صحّيّة كبيرة على جسد الإنسان، إذ في غَسل اليدين والمضمضة والاستنشاق -مثلاً- تحصيل للنّظافة، وحماية مجرى التّنفّس من الجراثيم والأوساخ، وغير ذلك ممّا ثبت علميّاً.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا